اذا كان الاحتكار في الصناعة يؤدي إلي الاستغلال ورفع الاسعار في حالة عدم توافر فرص المنافسة الشريفة لصالح المستهلك المغلوب علي امره دائما.. فإن هناك ايضا الاحتكار في التجارة والذي يترتب عليه تعرض هذا المستهلك لعمليات ذبح تزيد من صعوبة حياته المعيشية. وقد يحدث في كثير من الاحيان ان تشهد الساحة اتفاقا بين محتكري الصناعة ومحتكري التجارة خاصة في بعض المنتجات الصناعية يكون ضحيتها المستهلك المحتاج. قد تكون مثل هذه الممارسات محدودة التأثير في مجال السلع الصناعية ولكن المشكلة تتفاقم وتزداد وطأتها واثارها السلبية عندما يتعلق الامر بالسلع الغذائية التي لا يمكن لاي مواطن الاستغناء عنها في حياته اليومية لسد احتياجات اسرته. هنا تختلف الامور في سير هذه العملية الاحتكارية التي يكون ضحيتها المنتج مثله مثل المستهلك حيث يتعرض الطرفان لعملية استغلال فاضح من جانب اباطرة تجارة الجملة في اسواق هذه المواد خاصة الزراعية مثل الخضراوات والفواكه.. إن ما اعنيه ليس ما حدث في الاسابيع القليلة الماضية ولكنه يمكن القول إنها ظاهرة مستمرة عجزت اجهزة الدولة عن معالجتها. ان تاجر الجملة في هذه المنتجات الذي نصب نفسه وسيطا بين المزارع المنتج والمواطن المستهلك تعود ومن خلال الاحتكار الذي تدعمه الاتفاقات الجانبية مع زملائه في اسواق الجملة ان يفرض علي هذا المزارع السعر الذي يريده ويبيع لتاجر التجزئة بالسعر الذي يريده ايضا. ورغم ان كلنا نعلم ان ما يقوم به هذا التاجر لا يخرج عن ان يكون وسيطا بين طرفي المنظومة التي تضم تاجر التجزئة والمستهلك إلا ان احدا لم يستطع التصدي لهذا السلوك الذي يُمارس من خلاله اقصي صنوف الاستغلال. في هذا الاطار نجد ان هؤلاء التجار الاباطرة يأخذون من المزارع المنتج كيلو الخضراوات أو الفاكهة علي سبيل المثال بجنيه واحد ثم يفاجأ المستهلك بعرضها للبيع بخمسة أو عشرة اضعاف هذا السعر. وفي غياب الضبط والربط والدور الحكومي في مراقبة هذه الاسواق وما يجري فيها من تربح غير مشروع تتوه الحقيقة بين هؤلاء التجار وبين تجار التجزئة الذين يوجهون اتهامهم دائما بترديد »لا حول ولا قوة إلا بالله«. مثل هذه الظواهر السلبية يمكن ان تتصاعد وتتفاقم في الازمات الطارئة التي تتعرض لمتغيرات الطقس كما حدث بالنسبة للطماطم وبعض الخضراوات التي وصلت اسعارها إلي ارقام خيالية.. ولكن الذي يجب ان يقال ان هذا الذي يحدث هو امر مستقر في اسواق الجملة في كل الظروف وان كانت في بعض الاوقات تؤدي إلي مزيد من تصاعد الاسعار إلي حد الجنون. اننا وفي كل مرة تتكرر فيها مثل هذه الازمات بهذه الصورة المبالغ فيها يثور الجدل حول اهمية كسر هذه الدائرة الجهنمية التي يروح ضحيتها المزارع والمنتج والمستهلك المحتاج. المفروض ان تعمل الدولة بامكاناتها غير المحدودة التي من المفروض ان تكون منزهة عن الفساد علي انشاء جمعيات تعاونية لمنتجي المواد الغذائية الطازجة تتولي شراء هذه المنتجات بأسعار عادلة لصالح المنتجين لها ولصالح المستهلك. والمؤكد ان إقدام الدولة علي مثل هذه الخطوة مع زيادة منافذ التوزيع عن طريق المجمعات يمثل ضربة قاصمة لهؤلاء التجار المحتكرين وارباحهم الطفيلية ويقضي علي امبراطورياتهم التي تعلمها الدولة وتدرك مدي خطورتها. في نفس الوقت فانني اتمني ان تتحول الشعارات التي تُرفع من وقت لاخر إلي حقيقة بما يؤدي الي ضمان تنظيم التجارة الداخلية أو اقامة مجمعات ضخمة ليباع فيها المنتج انتاجه مباشرة إلي المستهلك. ان مثل هذه الخطوة تجعلنا نصدق التصريحات والوعود التي تنطلق ويتبين بعد ذلك أن لا هدف لها سوي تخدير الضحايا. كل ما نرجوه ان تتحرك الدولة والمحافظون التزاما بما اشار اليه الرئيس مبارك في اجتماعه الاخير لاستعراض ازمة تجاوزات الاسعار علي ضوء ما شهدته الطماطم والخضراوات. هل يمكن ان تكون هناك سياسة مستقرة للمواجهة بعيدا عن الموسمية التي تزخر بها الساحة كلما تصاعدت الازمات؟؟.