عندما كنا نتفاوض باسم نقابة الصحفيين حول التعديلات في قانون العقوبات فيما يخص قضايا النشر، كانت النقطة الأساسية التي توافقت فيها الآراء مع الوفد الحكومي الذي كان يقوده الوزير الدكتور مفيد شهاب والقاضي الجليل المستشار سري صيام هي المواد المتعلقة بالفتنة الطائفية . كان الكل يدرك ان الوحدة الوطنية هي الخط الأحمر الذي لا يمكن المساس به، و لا يجوز التسامح مع أي محاولة لضربها . ولم يكن هذا نابعاً من فراغ، فقد عشت وزملائي عمراً طويلاً في العمل الصحفي وفي الحياة النقابية والسياسية، لم تعرف فيه مصر بمختلف اتجاهاتها إلا التمسك بوحدتها الوطنية، وكانت الكتلة الصلبة من المثقفين المصريين علي الدوام تدرك دورها في ضرب كل محاولات إثارة الفتنة ومحاصرة كل قوي التخلف والتطرف التي تريد أن تعبث بمستقبل الوطن . وفي الأيام الماضية أطلت الفتنة برأسها، وأحسسنا جميعا بالخطر، خاصة بعد أن تورط رجال دين كبار فيما لا يجوز التورط فيه، وإذا كانت الجهود التي بذلت و شارك فيها الأزهر والكنيسة المصرية قد حاصرت هذه الفتنة، فإن ما تكشف أمامنا جميعاً من آثار الشحن الطائفي كان كفيلاً بان يستنهض كل قوي المجتمع من أجل مواجهة شاملة تستأصل جذور الفتنة وتستعيد وجه مصر الذي نعرفه ونزهو به وهو يجسد المعني الحقيقي للنسيج الوطني الواحد . لم يعد هناك مجال للتهاون، فالخطر ماثل أمامنا جميعاً، والشحن الطائفي تجاوز كل الحدود، وهناك في الخارج من يريد كسر إرادة مصر ويعرف ان وحدتها الوطنية هي سدها العالي أمام مؤامراته . وهناك حولنا من يريد إغراق المنطقة كلها في حروب الطوائف بين سنة وشيعة، وبين مسلمين ومسيحيين، وبين عرب وأقليات تعايشوا معاً علي مر السنين، لتغرق المنطقة في الفوضي وليعاد رسم خريطتها علي حساب العرب ولمصلحة أعدائهم . ومصر هي الاستثناء الذي يزعج الأعداء بنسيجها الواحد ووحدتها الوطنية الصلبة التي يريدون اختراقها بأي شكل. ولكن هذا ليس كل شئ، فنحن نواجه أيضاً آثار سنوات طويلة تركت فيها الساحة للفكر المتخلف والمتطرف، وحوصرت ثقافة التقدم وتراجعت قيمة العلم، واختفي العمل السياسي بمعناه الصحيح، لتغرق أجيال من الشباب الواعد في الفراغ أو تقع فريسة لتجار الدين وناشري ثقافة التعصب والكراهية . الآن.. أشعر أن هناك " نوبة صحيان " في مواجهة الخطر، وأرجو أن تستمر. و لا أقصد هنا المواجهة الرسمية التي تعودنا عليها طوال سنوات عديدة والتي كانت تكتفي بالمواجهة الأمنية في معظم الأحيان، وإنما أقصد ان قوي المجتمع الحية من المثقفين بمختلف اتجاهاتهم تدرك الآن - وأكثر من أي وقت مضي - حجم الخطر، وتدرك أيضاً أن المواجهات الأمنية وحدها لا تكفي، وأن المطلوب مواجهة شاملة قد تبدأ بمحاصرة الشحن الطائفي ( ودور الإعلام هنا أساسي ) ولكنها لابد أن تمتد لمعالجة كل أسباب التوتر، و إنهاء كل أشكال التمييز، والضرب بكل شدة للتعصب والكراهية وازدراء الأديان. لم يعد ممكناً التغاضي عن حقيقة أن أطفالنا يتلقون في بعض المدارس اول دروس التعصب علي أيدي معلمين ومعلمات يتصورون أنهم بذلك يتقربون إلي الله ! ولم يعد ممكناً التسامح مع مشعلي الفتنة من علي المنابر في دور العبادة أياً كانت مواقعهم. ولم يعد ممكناً ترك الساحة خالية لنشر الشعوذة والدجل والاتجار بإسم الدين وتغييب العقل وإهمال العلم والعلماء . ولم يعد ممكناً أن يستمر موت الشارع السياسي وضعف الأحزاب وغياب أجهزة الدولة، فيذهب المواطنون بمشاكلهم وضاياهم إلي المؤسسات الدينية وكأننا نشجع التعامل علي أساس طائفي!! إننا الآن أمام " نوبة صحيان " نرجو أن تستمر في مواجهة الفتنة الطائفية واستئصال جذورها، حتي يتم تفعيل مبدأ المواطنة كاملاً وحتي يتم تجريم أي تمييز بين المواطنين علي أساس الدين أو الجنس أو الطائفة، والمحاسبة علي ذلك من خلال قانون يحقق المساواة الكاملة بين المواطنين. المواجهة صعبة بلا شك، و لكن يكفي أن نتذكر أننا حين أقمنا اول حزب في مصر قبل مائة وثلاثين عاما أكدنا في برنامجه علي أنه حزب المصريين جميعاً من مسلمين وأقباط ويهود.. كان ذلك في وقت تمارس فيه دولة مثل أمريكا أسوأ أشكال العبودية وتحرص علي الإعلان بأنها تعامل الزنوج واليهود والكلاب علي قدم المساواة (!!) وتستمر في ذلك لسنوات طويلة بعد ذلك. يكفي أن نتذكر هذا، لكي ندرك أننا نستحق ما هو أفضل، وأننا قادرون علي صنعه ! آخر كلام كنا حين ننهزم في كرة القدم نجد السبب في تحيز الحكام الدائم ضدنا الآن أصبحنا ننهزم بسبب " المعيز " كما قيل بعد الهزيمة من النيجر . ولا أحد يريد الاعتراف بأن فريقنا القومي بحالته الراهنة لا يستطيع الفوز علي فريق ساحة شعبية حتي لو انحاز له كل الحكام ، ووقفت بجانبه كل " معيز " الأرض !! الحد الأقصي لنفقات المرشح في انتخابات مجلس الشعب تم تحديدها بمائتي ألف جنيه.. بعض المرشحين أنفق أكثر من مليونين قبل أن ينال ترشيح الحزب !! كل أطنان التلوث الغنائي التي تحاصرنا سقطت مع احتفاء العالم العربي كله بعودة فيروز للغناء علي المسرح !! لا سامح الله من أغلقوا الجمعيات التعاونية، وتركوا الفلاح يواجه إيجار الأراضي المرتفع وغلاء السماد ومستلزمات الإنتاج، واستغلال السماسرة الذين يشترون منه المحاصيل بتراب الفلوس، لتباع للمستهلك بعد ذلك بأضعاف سعرها . والشكر مرة أخري لمن استعادوا المجمعات الاستهلاكية بعد أن كادت تضيع في صفقة مشبوهة، وها هي الآن تعرض الخضراوات والفاكهة بنصف أسعارها في السوق !! كل الأندية الشعبية معرضة لما تعرض له النادي الإسماعيلي الذي حجزت عليه الضرائب، ولا احد يتحرك لمواجهة الموقف، وكأن الهدف من الاحتراف الذي طبقناه هو إغلاق هذه الأندية والاكتفاء بدوري الشركات!!