د. أحمد عرفات القاضى التعليم هو قاطرة النجاح الذي من خلاله انتقلت العديد من الدول في آسيا مثل الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وتركيا والهند وفي أمريكا اللاتينية كالبرازيل والارجنتين وفي افريقيا كجنوب أفريقيا. في العقود الماضية من دول نامية وفقيرة تئن من وطئة الديون وتخضع لمراقبة البنك الدولي والامم المتحدة اللذين يحددان لها رشتة العلاج ويرسمان لها خريطة الطريق الي دول متطورة نتيجة الاعتماد علي النفس وتطوير منظومة التعليم لأن العلم هو الوسيلة الوحيدة الآن لاختصار المسافات واختصار الوقت وبعد الثورة المصرية تعالت الأصوات من هنا وهناك بضرورة الاهتمام بالتعليم كمحور أساسي وهام للنهضة وقضية دور التعليم في تحديث مصر ليست وليدة الفترة الحالية ولكنها وليد ميراث طويل وعميق منذ بداية مصر الحديثة في عهد محمد علي الذي قاد نهضة تعليمية وتحديثية فاق بها اليابان آنذاك ولكن مشروعه لم يكتمل بفعل عوامل كثيرة كان علي رأسها القوي الاستعمارية التي كانت تراقب مصر ولا تريد لها ان تستيقظ فتوقظ الشرق معها وبذلك ينتهي دور الاستعمار العسكري والفكري والسياسي فتحالف الانجليز والفرنسين وحطموا الاسطول المصري في نفارين عام 1840 وعقدت معاهدة لندن في نفس العام التي نصت علي تحديد اعداد الجيش المصري وقصر نفوذ محمد علي علي حكم مصر تكون له ولاولاده من بعده وبعد ثورة 1952م كان هناك تعليم مصري جيد وقوي استفاد منه ابناء الطبقات الفقيرة في جميع انحاء مصر وهم الذين كونوا فيما بعد عصب الطبقة الوسطي التي حافظت علي مصر من الانهيار في العقود الماضية. وقضية التعليم تعد من اولويات المرحلة كمشروع وطني يلتف حوله الجميع لوضع أسس وقواعد النهضة التعليمية ويأتي علي رأس هذه الأولويات من وجهة نظري المتواضعة إنشاء مجلس قومي للتعليم يضم خبرات مصر في كل التخصصات والمجالات المختلفة كرجال الصناعة والزراعة وحقوق الإنسان بالاضافة الي الخبرات المصرية في الخارج خصوصا في التخصصات النادرة ومن المتفوقين في مجالات العلوم العملية والتكنولوجية وما اكثرهم في جامعات العالم في اوربا وامريكا وكندا ففي كندا وحدها عدد كبير من العلماء المصريين وهم الذين يضعون السياسة التعليمية في كثير من الجامعات وقد صرح الدكتور زويل ان العلماء المصريين هم الذين يضعون المناهج التعليمية لدولة بحكم وقامة كندا فلماذا لانستفيد من خبرة هؤلاء العلماء ونفتح معهم خطوط اتصال لمن يرغب منهم في العودة ومن لا يرغب يظل علي اتصال ببلده ويقدم الخبرة والمشورة ويحضر لالقاء محاضرات وندوات بالجامعات المصرية ويشرف علي طلبة الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراة. إن حاجتنا الي مجلس قومي للتعليم يصدر بقرار جمهوري يضم خيرة علماء مصر واهل الخبرة والاختصاص تكون مهمته رسم السياسة التعليمية لمصر في المدي القريب والبعيد من خلال خطة استراتيجية تحقق المطلوب منها في غضون عشر سنوات وتنقل مصر الي مصاف الدول المتقدمة التي اشرنا لبعض منها والتي تجني ثمار نهضتها العلمية اقتصاديا واجتماعيا. ان وضع السياسة التعليمية لدولة بحكم وقامة مصر في رقبة شخص او مسئولية وزير او وزيرين مهما كانت قدراتهما وكفاءتهما لن يستطيعا ان يقوما بالمهمة علي اكمل وجه وماذا لو ان الوزير اجتهد ثم اكتشفنا بعد خمس سنوات فشله في اجتهاده. من سيحاسبه ان الوزير يجب ان ينفذ سياسة المجلس القومي للتعليم الذي يناط به وضع البرامج ورسم السياسات من خلال حوار مجتمعي يستغرق وقتا للاستماع الي وجهات نظر كل التوجهات والفصائل بحيث يكون معبرا عن روح مصر وليس معبرا عن رؤية فصيل او جماعة سياسية محددة لأن تشكيل مجلس قومي للتعليم ينهض برسم برنامج قومي للتعليم في مصر لا يقل اهمية عن وضع الدستور. ان كثيرا من البلاد المتقدمة تعيش علي دستور بسيط يتضمن مجموعة من القوانين التي تحفظ شكل الدولة وتضمن تحقيق العدل والحرية والمساواة بين افراده لكن لاتوجد دولة في عالمنا المعاصر تضع سياستها اتعليمية في يد شخص كائنا من كان ان الدول الصغيرة من حولنا كقطر الشقيقة الصغري والتي لايتعدي عدد سكانها محافظة صغيرة من محافظات مصر لديها مؤسسة تعليمية تضم الكفاءات والخبرات من كل التخصصات ومن الشرق والغرب ويعمل بها عدد من العلماء المصريين. ان التفكير العشوائي الذي كان يسيطر علي رؤية النظام البائد يجب ان يختفي ولن يتم ذلك الا بالتنظيم والتخطيط والادارة الجيدة والحازمة واول واجبات النظام الجديد اذا كان يريد نهضة حقيقية لمصر لن تقوم الا بقرار جمهوري بإنشاء المجلس القومي للتعليم. لقد تابعت بكل اسف تصريحات وزيري التربية والتعليم والتعليم العالي حول رؤيتهما لتطوير التعليم فوجدتها افكارا سطحية لاترقي لمستوي ثورة مصر وما نأمله لمستقبل مصر. ان وضع سياسة مصر التعليمية ورؤيتها تحت تصرف وامرة وزير انتكاسة للثورة ونكوث عن التطور ورجعة الي الخلف.