في السادس من أكتوبر من كل عام اعتاد أبناء وأحفاد الفريق حلمي عفيفي، قائد قوات الدفاع الجوي الأسبق، الذي كان أيضاًً نائباً لوزير الحربية، أن يتوجهوا جميعاً إليه في بيته بالإسكندرية، حيث يعيش الآن وهو في الثامنة والثمانين من العمر، ليتحلقوا جميعاً حوله محتفين برب أسرتهم الذي أسهم في تحقيق الانتصار لأمتنا في حرب 73 ، وتشير ابنته الكبري، ليلي، إلي أن الأسرة كلها تنتظر هذا اليوم سنوياً لتعبر عن وفائها لعميدها الذي نجح في أن يوازن بين عطائه الإنساني علي المستوي الأسري وانضباطه العسكري الذي أدي إلي قيادته لإحدي فرق الدفاع الجوي خلال حرب أكتوبر المجيدة وتوليه مسئولية الدفاع عن عمق مسرح العمليات، وتوفير الحماية لطائراتنا عبر الخطوط الأمامية المطهرة في سيناء. وتوضح لي حفيدته، ملك، التي تعرفت عليها منذ سنوات ولفتني أداؤها الراقي في مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، أن جدها وهو علي مشارف التسعين من العمر لا يزال يسهم في خدمة هذا الوطن من خلال عمله التطوعي في إحدي جمعيات رعاية الأطفال الأيتام في الإسكندرية، وهو يولي هذا العمل جل اهتمامه، لذا فهو يعد قدوة إيجابية لأبنائه وأحفاده جميعاً الذين يدركون تماماً أهمية بذل الجهد تطوعاً لرفعة هذا الوطن. وتلتقط والدتها، ليلي، الخيط لتدير دفة الحوار في اتجاه آخر عندما نعرف منها أن الفريق عفيفي، أمد الله في عمره، يعشق الصيد، وأن أطيب وألذ الأسماك التي تناولتها الأسرة كانت من حصيلة ممارسته لهذه الهواية الرائعة. وهنا أقول: ربما يعود شغف الفريق عفيفي بالصيد إلي أيام خدمته الأولي في الثغر عندما كان ضابط رادار منطقة الإسكندرية إلي جانب قيادته لتروب المدفعية المضادة للطائرات. وفي بيت هذا البطل الذي تعتز به العسكرية المصرية وتشير إليه بالبنان، لا نكاد نجد موقعاً إلا وتزينه الأوسمة والأنواط وشهادات التقدير والتفوق أو تذكارات صنعها جنوده من حطام طائرات العدو التي اسقطوها وهي تتجسس علينا، أو فجروها بحمولتها قبل أن تدمر قواتنا أو تزهق أرواح الأبرياء من المصريين؛ وتوضح الحفيدة ملك أن جدها حصل علي نوط التدريب مرتين، وعلي نوط الجمهورية العسكري من الطبقة الأولي. وستظل شخصية الفريق حلمي عفيفي عبد البر صاحب فكرة إنشاء تحصينات مواقع الصواريخ سابقة التجهيز، الذي قاد إحدي فرق الدفاع الجوي أثناء العبور العظيم، من أبرز شخصيات العسكرية المصرية، وسيبقي اسمه مضيئاً في سجل أمجادنا. وهو من مواليد قرية بهناي بمحافظة المنوفيه لأسرة مصرية أصيلة، الحقته بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1942 ، ثم حصل علي فرقة" قادة بطاريات مضاد للطائرات" ، ودورة أركان حرب رقم 11 من كلية القادة والأركان عام 1956 ثم دورة قادة كتائب مضاد للطائرات عام 1961 ، ثم دورة قادة تشكيلات الدفاع الجوي عام 1968 ثم دورة إدارة عمليات الدفاع الجوي بروسيا عام 1969 وقد خدم في عدد من تروب المدفعية المضاد للطائرات فيما بين عامي: 1942 و1957 ، وفي عام 1958 عين قائداً ثان لآلاي مضاد للطائرات فقائداً للفوج المضاد للطائرات في عام 1959 ، وبعد ذلك تم اختياره في عام 1962 ضمن تشكيل ألوية الصواريخ ( المشروع عامر ) وعين بعد ذلك قائداً للواء المدفعية، وفي عام 1968 أوفد إلي الإتحاد السوفيتي في بعثة إدارة الدفاع الجوي، وعقب عودته منها عين عام 1969بعمليات الدفاع الجوي. وخلال توليه لهذا المنصب كان له دور بارز أثناء اجتماع الرئيس جمال عبد الناصر بقادة كتائب الصواريخ لعرض المشكلات التي تمنع دخول الصواريخ إلي الجبهة وتحول دون تجهيز مواقع خرسانية لاحتلالها بكتائب الصواريخ وبالتالي يتم احتلال كتائب الكمائن في العراء مما يعرضها للتدمير بواسطة طيران العدو المكثف. فكان لابد من الوصول إلي حل لهذه المشكلة، فقدم اقتراحاً بإنشاء الحوائط الخرسانية سابقة التجهيز في مكان بعيد عن الجبهة لتنقل ويقوم سلاح المهندسين بتركيبها ويتم احتلالها ليلاً بكتائب النيران علي أن تكون جاهزة مع أول ضوء في اليوم التالي لتفاجئ العدو، وهو الاقتراح الذي حظي بموافقة رئيس الجمهورية وتم تنفيذه بكل دقة فكان له الفضل الأكبر في توفير التجهيز الهندسي والتحصينات اللازمة لكتائب الصواريخ لتنفيذ الكمائن. وعقب ذلك، أشرف علي تنفيذ عدد من الكمائن الناجحة بكتائب الصواريخ بتكتيك جيد لم يسبق أن استخدم من قبل مما كان له تأثير كبير علي العدو، وبدأ تنفيذ حائط الصواريخ الذي أسقطت فيه أول طائرة فانتوم يوم 30 يونيو 1970 هذا اليوم المشهود في تاريخ قوات الدفاع الجوي وكان نهاية يوم 7 أغسطس 1970 أكثر عظمة وأعلي شأناً فبنهايته كانت سماء جبهة القناة قد تم إحكام تغطيتها بالانتهاء من إنشاء حائط الصواريخ إيذاناً بانتهاء حرب الاستنزاف ، وفي نهاية عام 1970 عين قائداً لإحدي تشكيلات الدفاع الجوي واستمر في قيادتها خلال الإعداد لحرب أكتوبر وأثنائها وكان لها دور بارز في العبور العظيم في 1973 وقد شهدت فترة قيادته للتشكيل الكثير من الأعمال البطولية حيث تم تنفيذ أكبر تحرك استراتيجي لإحدي وحدات التشكيل في زمن قياسي وأعاد تشكيلها استعداداً لخوض حرب 73 ، هذا التشكيل تمكن من اسقاط عدد كبير من الطائرات المعادية في هذه الحرب، وعقب ذلك تولي منصب رئيس أركان قوات الدفاع الجوي في مارس 1974، ثم أصبح قائداً لقوات الدفاع الجوي في يناير 1975، وترقي إلي رتبة "الفريق" وخطا بالدفاع الجوي خطوات واسعة في مجال التقدم التكنولوجي وكانت آخر المناصب القيادية التي تولاها " نائب وزير الحربية" وحصل علي عدد كبير من الأوسمة والأنواط وشهادات التقدير والتفوق وأبرزها وسام الجمهورية من الطبقة الأولي.