تسحر المصريون فجر العاشر من رمضان 1393 1973 والنكسه تكسر ظهورهم، وأفطروا مغرب ذلك اليوم علي النصر. قبل ساعة الصفر كانت المعنويات صفرا. إلا أن الله اراد ان يشفي صدور قوم مؤمنين . وكانت البداية.. مائدة رحمن طويلة تشكلت من معابر مدتها القيادة المصرية نحو الشاطيء الشرقي للقناة، وانطلق مدفع الانتصار فدعت القيادة الجنود: "بسم الله تعالوا لافطار الفتح" .. خشافنا هو الدعاء"ذهب الاحتلال وابتلت العروق وثبت النصر بإذن الله، يا واسع الفضل أتمم لنا النصر، الحمدلله الذي أعاننا فحاربنا ورزقنا فانتصرنا ". ماذا يمكن أن تنتظر من جنود طاهرين، متوضئين، صائمين، عابدين، طائعين، آخذين بالاسباب،لا يولون الادبار.. سوي ان يكون الجزاء"نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين". لا أزكي نفسي اذا قلت انني كنت ضمن الملايين من المصريين الذين آلوا علي انفسهم ألا يجرحوا صيام هذا اليوم ، قبل أن يتأكدوا من ان قواتنا قد عبرت بالفعل القناة،بعد صلاة العشاء والتراويح، شهدت المساجد في هذه الليلة ازدحاما كبيرا، فكل من كان بعيدا عن خط النار أحس أن اضعف الايمان هو الدعاء لمجاهدينا، فارتجت جدران المساجد "يارب" "يامغيث" "ياقاهر". ومن شدة التكبير احسست أن الارض تهتز تحت قدمي. فرغنا من الصلاة لاسرع الخطي الي ميدان الازهر وأخطف "الاخبار" من البائع، وتجري عيني علي المانشيت فيهنأ بالي بحروفه الوضاءة "قواتنا تقاتل الان فوق سيناء". كنت علي وشك بدء السنة الثانية بكلية الاعلام جامعة القاهرة، وتمنيت لو كنت أعمل بجريدة الاخبار وقتها لأكون ضمن فريق محرري يوم النصر. بعد ذلك بثلاث سنوات التحقت بالجريدة وظللت أتخيل نفسي وانا جالس بصالة التحرير يوم 6 اكتوبر اساهم في اصدار الجريدة. حقيقة انني قمت بهذا الدور فيما بعد في عدد من الحروب، إلا انها كانت كلها من الحروب الخائبة، الطرفان المتقاتلان إما مسلمان (حرب الخليج الاولي بين ايران والعراق) او عربيان (غزو صدام حسين للكويت عام 1990) او بين دولة عربية وقوي التحالف الغربي اجمع (حرب الخليج الثالثة وانتهت باحتلال العراق). لم تكن هناك حرب تحرير فعلية في الثلث الاخير من القرن العشرين سوي حرب اكتوبر، لذا شعرنا بحلاوة النصر بعد سنوات النكسة العجاف. لذلك إستحق ضباطنا وجنودنا الذين شاركوا في حرب اكتوبر أن يكونوا سادتنا وتاج رؤوسنا.. أتمني لو استطعت أن أقبل آياديهم وجباههم ورؤوسهم، التي مكنتنا من ان نرفع ايدينا وجباهنا ورؤوسنا. ونتمني أن يرفعها اخواننا الفلسطينيون ولكن لابد من أن يعوا دروس إنتصار اكتوبر، واعلاها ان اسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة، ولن تنسحب من شبر من الارض إلا بحديث البنادق لا مفاوضات الصالونات سواء مباشرة او غيره. أنهكت اسرائيل المفاوض الفلسطيني علي مدي اكثر من شهر في مسألة مد قرار تجميد بناء المستوطنات وهو موضوع ثانوي جدا لا يدخل في قضايا الحل النهائي، فإذا كانت تفعل ذلك في مجرد قرار بمد مهلة فماذا ستفعل فيما يتعلق بقرارات مصيرية مثل إزالة المستوطنات ذاتها او إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس . واهم من يعتقد ان اسرائيل يمكن ان تتخلي عن الاراضي التي احتلتها بمجرد الجلوس علي دكة المفاوضات. حرب اكتوبر اكدت نظرية يعرفها الجميع ويتناساها البعض:"إنك لا تستطيع ان تحصل علي أكثر مما يمكن ان تصل اليه مدافعك" واذا كانت المدفعية الفلسطينية قصيرة والعين بصيرة، فلا أقل من محاولة دعم عناصر القوة الفلسطينية والانتظار حتي تحين لحظة التحرير، لان من لا يستطيع الزواج كما يقول الشهيد الشيخ احمد ياسين لا يحل له الزنا ،اي ان من لا يستطيع تحرير ارضه لا يحل له التنازل عنها. تعلموا من ابطال حرب اكتوبر الذين وعوا العدو مبكرا.