د. محمود كبىش كانت هناك دولة في مصر، أمعنت مؤسساتها في الفساد بكل صنوفه حتي ضاقت الدنيا بشعب مصر الصبور بطبعه فهب في ثورته العارمة باحثا عن غد أفضل.. وسالت دماء طاهرة للمئات من ابناء هذا الوطن ليضيئوا بها الطريق امام عملية اصلاح شاملة تضع مصر في المكانة التي تستحقها بين الامم وتوفر لهذا الشعب حياة كريمة حرم منها لعقود من الزمان. الا ان المؤسف والمحبط حقا ان هذه الاحلام بدت سرابا بل الاخطر من ذلك اننا نشهد غيابا شبه كامل لمؤسسات الدولة الاساسية.. بل نخشي ان يكون وجود الدولة ذاته موضع تساؤل!! ولعل اوضح واخطر مثال لما نقصده هو مؤسسة الامن في مصر والتي يعلم العامة قبل الخاصة انه بدونها لا وجود للدولة.. كان هناك امن قبل الثورة.. صحيح اصاب العفن كثيرا من قياداته والعاملين فيه الذين انغمسوا في البحث عن المصالح الشخصية وسادت لديهم فلسفة التزوير والتلفيق وكانت حصيلتها الزج بالابرياء الي غياهب السجون وتدمير اسر كريمة لكي تنتصر بأفعالهم عصابات الاجرام الذين اقتسموا معهم حصيلة الفساد، وكثيرا ما ازهق الحق وظهر الباطل بأفعال من لا ضمير لهم من بعض قيادات الامن وأذنابهم.. ولكن مع كل ذلك بقيت بعض العناصر الشريفة كان يمكن اللجوء اليها بعد طول عناء للحفاظ علي الارواح والممتلكات.. إلا ان الطامة الكبري انه بعد الثورة العظيمة التي اريقت فيها دماء الابرياء من اجل اقامة دولة الامن والحرية والكرامة نشهد الان غيابا كاملا لمنظومة الامن في مصر »المحروسة« نسمع بين الحين والاخر ان الشرطة بدأت تستعيد ذاتها ووجودها.. ويبدو ان من يقول ذلك لم يخرج من القاهرة والمدن الكبري ويقصد بعض الاكمنة التي تقام في المناطق الامنة نسبيا لتفحص رخص قائدي السيارات الملاكي.. ولم يعرف اولئك ان المحافظات خارج القاهرة والطرق المؤدية اليها خالية تماما من الوجود الامني وان عصابات خطف السيارات والاشخاص وطلب الفدية اصبحت في مأمن من اية ملاحقة او مواجهة وهي تستخدم في ذلك جميع أنواع الاسلحة الالية.. بل اصبح شائعا في المحافظات المختلفة ان بعض رجال المباحث وقياداتهم يقتسمون معهم الغنائم ويتركونهم يعيثون في الارض فسادا لانهم يعرفونهم جيدا ويعرفون بؤر تواجدهم. وهو سر توغل وتوحش هذه العصابات بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث. والغريب والعجيب انه بينما تتكلم وسائل الاعلام المختلفة ليل نهار عن بعض الحوادث البسيطة ومنها وقائع قذف أو سب أو اصابات بسيطة او فعل فاضح فإنها تغض الطرف تماما عن الوقائع ذات الجسامة البالغة وبصفة خاصة في بعض المحافظات.. وعلي سبيل المثال فإن من يطالع الصحف اليومية يكتشف ان محافظة كمحافظة الشرقية تعيش ازهي عصور الامن فلا يشار بشأنها الي حادثة إجرامية واحدة الا ما ندر والذي يرتبط بالاشارة الي جهود المباحث الخارقة في انها »تكثف البحث من اجل القبض علي الجناة ولا يغفل ذكر اسماء المسئولين في جهاز البحث الجنائي واشرافهم علي تكثيف البحث« وذلك كله علي الرغم من ان حوادث خطف السيارات والاشخاص بالعشرات يوميا لا تتوقف ليلا أو نهارا ولم يشر لواحدة منها. فمن وراء هذا التعتيم الاعلامي في مثل هذه المحافظات؟ لابد من اعادة النظر في قيادات تعفنت وارتوت بالفساد وظنت ان لن يطالها شيء. لتحل محلها قيادات مؤمنة بفلسفة الثورة متجردة للصالح العام قاطعة الصلة بالعمل الامني الشكلي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.. ان الامر جد خطير.. الدولة ذاتها علي المحك.. اللهم هل بلغت.. اللهم فاشهد.