علاء عبدالوهاب ربما تكون السباحة رفيقة للإنسان منذ خطواته الأولي، حين بدأ فجر تاريخه علي كوكب الأرض.. غير أن البشر عرفوا لوناً آخر باهراً من السباحة - أو بدقة شاهدوه مشدوهين - عندما شاهدوا رواد الفضاء يسبحون حول القمر! السباحة في الفضاء- إذن- كانت الرياضة التي مارسها قلة، لكن قد تكون متاحة عندما يصبح ارتياد الفضاء عبر رحلات تجارية مسألة متاحة، لمن يملك تكاليف حجز مكانه علي سفن الفضاء السياحية! لكن؛ ماذا عن السباحة في ظلام الكون؟ الأمر هنا يختلف، ولا يستطيع الإنسان ان يمارسها إلا عبر المراصد والتلسكوبات العملاقة، أي ان العلماء سوف يسبحون إلي حيث كان ما يتعلق بالمجرات السوداء مجرد فرض نظري، ثم إن بمقدورهم - أيضا- السباحة في حقول الطاقة المظلمة، ولكن »عن بعد«! ............ عقب الاعلان عن اكتشاف »جُسيم هيجز«- أحد المكونات الذرية الدقيقة جدا- والتي كانت هي الأخري مجرد فرض نظري، أصبح البشر يملكون كنزاً هائلاً من المعلومات التي تضئ الكثير من جوانب نشأة الكون، بعدها بأيام استطاع فريق علمي أن يرصد- لأول مرة- مجرات سوداء، هي بمثابة إحدي المراحل الأولي لتشكل المجرات، في إطار نظرية الانفجار الكبير الشهيرة. يالها من مصادفة؛ كشفان هائلان بفاصل بضعة أيام، يساهمان في فهم نسيج الكون بآفاق غير مسبوقة عبر تاريخ البحث العلمي! وإذا كان اكتشاف »جُسيم هيجز« يجيب علي سؤال: كيف إلتحمت مكونات المادة، وتماسكت وأصبح لها كتلة؟ فان رصد المجرات السوداء يضيف الكثير بشأن اللحظات التالية للانفجار الكوني الذي وقع قبل اكثر من 31 مليار سنة، وأنتج كميات هائلة من الغازات، بصحبة درجات مرعبة من الحرارة، وطاقة ضخمة، ومالبثت الغازات ان تجمعت في كتل كبيرة، وبفضل »جُسيم هيجز« تزايدت كثافة تلك الكتل ووجدت ما يدفعها للالتحام، وهكذا تكونت المجرات اللامعة، وما تحتضنه من شموس ونجوم وكواكب. بينما كان هناك الأقل حظا؛ كتل مظلمة غير مرئية، إلا ان السباحة عبر المراصد - في الكون الفسيح - استطاعت أن تدركها أخيراً! والأكثر إثارة أن أصحاب الكشف يرجحون انها أضخم من المجرات المضيئة! إذا كانت تلك نتائج السباحة »عن بعد«، فماذا يكون الحال عندما تنطلق تلسكوبات تقترب لأقصي درجة ممكنة من المجرات السوداء ، لتسبح في اسرارها وألغازها؟ مهمة مثيرة تستهدف الوجه الآخر للكون الحي! يقيناً، سوف تسفر المهمة عن إماطة اللثام حول ماهية الطاقة المظلمة؟ وكيفية التغيرات التي تعتري كثافتها خلال عملية توسع الكون، بما يقود إلي بناء سيناريو دقيق إلي حد غير مسبوق لملابسات نشأة الكون واتساعه، ومن ثم المستقبل الذي ينتظر البشرية ويحيطه الكثير من الغموض الشديد. يبدو أن فصلا جديدا سوف تتم كتابته عبر السباحة في ظلام الكون الفسيح، سواء باستهداف وضع المجرات السوداء تحت الملاحظة للمرة الأولي، أو بمراقبة الطاقة المظلمة المسئولة عن التحكم في الوتيرة المتسارعة لاتساع الكون، فربما يصل الإنسان إلي تحديد موقعه والتنبؤ بمستقبله علي نحو أكثر دقة!