لم يعش شباب أوروبا الشرقية أهوال الحرب التي شنها هتلر ضد كل الدول التي تصدت له، و حاولت منعه من اجتياح حدودها واحتلال أراضيها! لكنهم أي الشباب الذين ولدوا بعد الحرب درسوا في مدارسهم وجامعاتهم أحداث تلك الحرب. كيف خطط »هتلر« ؟ وكيف أشرف علي تنفيذها؟ ما أسباب الانتصارات التي حققتها جيوش هتلر علي كل الجبهات ، جبهة بعد أخري؟ لماذا انهارت قوات الدول الأوروبية بسهولة وسرعة نادرتين؟ وكيف نجح هتلر في تشكيل جبهة »المحور« من: ألمانيا، و إيطاليا، واليابان؟ كما حفلت كتب التاريخ التي درسها شباب أوروبا الشرقية بالأمجاد، والفتوحات، والانتصارات، التي حققها الجيش السوفييتي علي الجيش الألماني الذي جُن رئيسه وزعيمه »هتلر« و حفر قبره، وقبر »النازية « بيديه، عندما أمر بغزو الأراضي السوفييتية فكانت نهايتهما تحت ثلوجها. رغم كل ما درسه طلاب وطالبات دول أوروبا الشرقية عن هزيمة الحكم النازي الألماني علي أيدي الجيش الأحمر السوفييتي، وبمساندة من جيوش الحلفاء أوروبا والولايات المتحدة إلاّ أن الكثير من هؤلاء الشباب كرهوا الشيوعية، نتيجة مقتهم للهيمنة التي فرضتها موسكو علي بلادهم. ومنهم من ترحّم علي »النازية« لأنها لم تواصل زحفها حتي سقوط موسكو، مثلما فعلت مع باريس وغيرها من العواصم الأوروبية! وسعي كثيرون من شباب الأوروبيين والأمريكيين إلي محاولة إعادة إحياء النازية ك : فكرة، وسياسة، ووسيلة للإرتقاء. الشاب البولندي: »باول« Pawel وجارته، وحبيبته، وزوجته.. فيما بعد: »أولا« Ola انضمّا لواحدة من الجماعات اليمينية المتطرفة »النازيون الجدد« التي تمارس أنشطتها »سراً« أو ببعض الكتمان، رغم أن كل الحكام والمحكومين سمعوا عنها، وتعرفوا علي أعضائها: من الرأس الاصلع الاجرد، والصليب المعقوف المنقوش »وشما« علي الصدر، أو ملفوفاً بالقماش حول أعلي الذراع، أو مطرّزاً فوق جيب القميص بلونه الأصفر التقليدي! كان الشاب »باول« متفرغاً للقيام بما هو مطلوب منه: باللسان، وقبضة اليد، والسلاح الأبيض عند الضرورة! فالشاب لا يطيق اليهود. ويمقت العرب: مسلمين كانوا أم مسيحيين. ونفس الكراهية يكنها للسمر، والصفر، والسود.. ويؤمن بأنه علي أصحاب البشرة البيضاء، والشعر الأشقر، والعين الزرقاء، أن يبذلوا كل ما في إمكانياتهم من أجل منع هؤلاء من الإقامة أو العمل أو حتي السياحة في بلادهم، وإذا فشلوا في منعهم فعليهم أن يجعلوا إقامتهم جحيماً لا يطاق ويجبرهم علي الهروب إلي خارج الحدود حفاظاً علي حياتهم.. علي الأقل! »باول« و»أولا« صالا وجالا في شوارع وارسو بحثاً عن »اليهود« و»العرب« و»الزنوج« للتحرش بهم، وتوجيه الشتائم والأوصاف البذيئة لهم، ولهن. وسرعان ما ينتقلون من مرحلة الإيذاء اللفظي إلي مرحلة الاعتداء: صفعاً، وملاكمة، وتشويها للوجه، وتكسيراً للعظام! وحرص »باول« علي تسجيل الأرقام التي حققها، ويحققها أسبوعاً بعد أسبوع، وشهراً بعد آخر، وسنة بعد أخري ليتباهي أمام الآخرين بإجمالي عدد المكروهين الممقوتين الذين ضربهم خلال الخمس، أو العشر، سنوات الماضية. وتحديد حالات الضرب الخفيف من الضرب الجسيم الذي تطلب علاجه والشفاء من تداعياته أسابيع عديدة في المستشفيات! وكان يمكن أن يتصاعد عدد ضحايا »باول« و »أولا« ليبلغ أرقاماً فلكية، لولا الكارثة التي وقعت علي رأسيهما بدون سابق تمهيد أو إنذار! ذات مساء، وقبل أن تغفو .. تذكرت »أولا« ماسمعته وهي طفلة من أمها، عن الأجناس البشرية، والاختلافات فيما بينها، وكيف أن اليهود عانوا طويلاً، ومنهم من حرصوا علي إخفاء دينهم خوفاً من الأذي. وسألت »أولا« نفسها: وأين أنا من هذه الأجناس؟! في اليوم التالي ذهبت الفتاة إلي »معهد التاريخ اليهودي« في وارسو الذي يضم أرشيفاً ضخماً يروي تاريخ 10قرون ماضية وكانت المفاجأة الكبري أن وجدت »أولا« أنها تنتمي لليهود وجذورها اليهودية عميقة وراسخة! سارعت الفتاة إلي زوجها حاملة خبرها الجلل! وذهل »باول« مما سمعه.. وكان أول سؤال طرأ علي ذهنه هو: » وماذا عن جذوري؟!«. ولم ينتظر. فقد طلب من زوجته أن تعود به إلي معهد التاريخ، حيث تضاعفت الكارثة بعد اكتشاف أن »باول« ينتمي بدءاً بجدوده الأوائل إلي الجنس اليهودي، الذي عاش طفولته وشبابه كرهاً له، وتعصباً ضده، ويكاد أن يكون متخصصاً في شتم اليهود ، والاعتداء عليهم بالضرب! كان السؤال المهم الذي طرحه النازيان علي نفسيهما: »ماذا سنقول للناس الذين نعرفهم ويعرفوننا؟!«. وقال »باول« فيما بعد لقناة »CNN« إنه أمضي أياماً عديدة حبيساً داخل شقته، ويخشي الوقوف أمام المرآة حتي لا تقع عيناه علي »يهودي« وهو الذي عاش عمره كله يكره جنس اليهود ولا يطيق وجودهم في أي مكان؟! وأضاف في لقائه، وزوجته، مع قناة ال »CNN« إنهما ذهبا إلي كبير حاخامات بولندا »مايكل شودريتش« وكشفا له عن مصيبتهما، التي هوّن الحاخام من تداعياتها، و نصحهما بأن خلاصهما في عودتهما إلي أصلهما وجذورهما! وقد كان. فقد تغيرا في لمح البصر من النقيض إلي النقيض. ومن كراهية اليهود إلي عشاقهم. ومن الاعتداء عليهم إلي الالتصاق بهم والإقامة في حيهم، والتردد علي معابدهم، والتهليل لنجاحاتهم، والتشفي في خصومهم! بعد أن كان »باول« يتهرب من المرآة.. أصبح حالياً لا يبتعد عنها انبهاراً، و إعجاباً: بأصله وفصله!