في هذا المكان، سبق أن كتبت مقالا بعنوان: »القوة الثالثة لإسقاط نظام مبارك«، وذلك في 19 ابريل 2012م، وأوضحت فيه المقصود بذلك من ناحية، ومن ناحية أخري أوضحت أن الحاجة أصبحت ماسة لبذل الجهود الحثيثة في سبيل دعم القوة الثالثة بتنظيم صفوفها، وتوحيد قواها وإعادة ترتيب أوراقها، وإعادة صياغة خطابها السياسي في مواجهة التحديات التي تواجهها القوي الثورية، وتجميع جهود الشباب بصفة خاصة بعد أن نجح هؤلاء في تكوين برلمان شباب الثورة يضم جميع التيارات السياسية من الشباب. وقد اقترحت في ذات المقال ضرورة الاسراع بتشكيل لجنة لتوحيد القوي الثورية وتنظيم صفوفها، وكانت مليونية حماية الثورة واستكمال اسقاط نظام مبارك، يوم الجمعة 20 ابريل 2012 هي الخطوة الرئيسية نحو بلوغ أهداف الثورة.. ورأيت أن تدعيم القوة الثالثة من شأنه ارتفاع صوتها لاسقاط كامل لنظام مبارك »رموزا وسياسات وقواعد عمل«. وعندما كتبت هذا المقال، كان باب الترشيح لانتخابات رئيس الجمهورية قد فتح ولم تكن الدعاية الرسمية قد بدأت، وترشح الفلول من النظام القديم ومن أبرزهم »عمر سليمان أحمد شفيق عمرو موسي«، ثم صدر قانون »العزل السياسي«، من مجلس الشعب علي عجل وبعد تأخير ودون اكتمال، وذلك اثر ترشيح عمر سليمان تحديدا، ثم أعطت لجنة الانتخابات الرئاسية شرعية للفلول عندما أعطت لنفسها سلطة اللجنة أو الهيئة القضائية، فأحالت القانون إلي المحكمة الدستورية، وسمحت لأحمد شفيق باستمرار الترشح بعد ان كانت قد شطبته!! ثم استحضر مشهد الإعادة بعد انتهاء الجولة الأولي »23،24 مايو«، في انتخابات الرئاسة ليظهر علي المسرح: رمز من النظام القديم »فلول« يواجه رمزا من تيارات الإسلام السياسي »الإخوان«، وهو ذات المشهد الذي كان يطرح خلال السنوات الأخيرة لحكم مبارك المخلوع. »نظام مبارك وفزاعته«، وذلك بعد استبعاد القوي الثورية من المشهد!! وقد انحازت اجهزة الدولة التي تمثل امتدادا لنظام مبارك، إلي رمز هذا النظام »أحمد شفيق«، والمدعوم من المجلس العسكري، وقبل جولة الإعادة المقرر لها يومان هما »16،17 يونية«، بنحو 48 ساعة أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمين الأول عدم دستورية قانون العزل السياسي فأعطت الشرعية لترشيح أحمد شفيق لاستكمال مشهد النهاية، وعدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب لاستكمال مشهد النهاية، وعدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب الأمر الذي قضي ببطلانه وحله، وذلك في توقيت مريب!! ورغم قناعتي بأساس حكم البطلان لقانون الانتخابات وعدم دستوريته، إلا أن التوقيت كان يستهدف دعم شفيق وتقليص أجنحة مرشح الإخوان، الأمر الذي يحمل رسالة للشعب، بأن الدولة تدعم المرشح شفيق!! وأخيراً فاز مرشح الإخوان وحزب الحرية والعدالة ليصبح رئيسا للبلاد، ومازالت الأمور غامضة حتي الآن عما دار في الكواليس بين فجر يوم 18 يونية وحتي ظهر يوم الأحد 24 يونية 2012 لحظة اعلانه نتيجة انتخابات الرئاسة ونجاح د.محمد مرسي رئيسا للبلاد، وربما تتكشف الأمور فيما بعد!! ذلك هو المناخ الذي جري في مصر خلال الشهرين والنصف منذ بدء الدعوة لتكوين أو تأسيس »القوة الثالثة«، كما سبق أن اشرت. وقد لاحظت عدة كتابات تتحدث في هذا السياق، وعبرت أطراف هذه القوة الثالثة عن نفسها ازاء المشهد الختامي الذي تبدي في اعادة الانتخابات الرئاسية بين نظام مبارك وفزاعته »الإخوان المسلمون«، وذلك باعلان »المقاطعة والابطال واستمرار المقاومة«، لكل من طرفي المشهد الختامي. إلا أنني فوجئت مثل غيري، بعقد مؤتمرات صحفية »فجائية« وعلي »عجل«، تعلن ميلاد »التيار الثالث«، ثم عقد لقاء صحفي ضم عددا من الرموز في أفخم الفنادق ليعلنوا عن »الطريق أو التيار الثالث«، وتحدث فيه بعض هؤلاء بكلمات لا تحمل مضمونا واضحا، حتي أفصح الأمر عن نفسه بأنه لا يعدو سوي »شو إعلامي«، أو مجرد »دعاية سياسية«، مؤقتة سرعان ما ستزول، أو أنه »تسلية«، من تسالي ألف ليلة وليلة من بعض من يسمون أنفسهم »نخبا« وهم أبعد مضمونا وفكرا ورسالة عن ذلك بكثير!! ثم فوجئت الأوساط السياسية بلقاء عقد بين المرشح الرئاسي ورمز الثورة في معركة الانتخابات الرئاسية »حمدين صباحي«، وبين المرشح الافتراضي الذي لم يكمل المشوار، وغير المسار »د.محمد البرادعي«، وهو ملهم التغيير الثوري. وأعلن عن أن تيارا شعبيا في الطريق يجسد ما جري في انتخابات الرئاسة، دون مشورة من فريق هذا أو ذاك، ويبدو أنها تحركات فردية تسهم في »ملأ الفراغ«. دون عمل حقيقي. ومن الغريب، أن »النخب«، التي أقابلها في الغالب لا تقرأ المقالات وليس عندها فكرة بالاتجاهات العامة السائدة، وبعضهم يكتفي بمعرفة الأخبار السطحية، أو قراءة الأخبار من صفحات »النت«، »عناوين فقط«!! ففي الوقت الذي أقرأ »يوميا«، ما لا يقل عن »20« صحيفة ومجلة، وأتصرف علي جميع الاتجاهات وما يدور في الوطن، وأتابع شبكات النت قدر الإمكان وصفحات الفيس بوك التي يفضلها الشباب وضيوفهم من أصحاب السن المتقدم من أمثالي ممن بدأوا ينجاوزون الخمسين عاما، أجد من أجلس معهم غالبا لا يعرفون إلا قشورا وبعض المعلومات السطحية وهنا فالسؤال: كيف يمكن أن يسهم هؤلاء في صياغة العقل الجمعي لابناء هذا الوطن من خلال حضورهم المستمر في وسائل الإعلام؟! وعلي أي حال، فإنني من أشد المقتنعين بفكرة »الكتلة الثالثة« المطلوب تشكيلها علي أسس واضحة وأجندة محددة، وقد تسمي بالتيار الثالث أو الشعبي أو غيره، المهم أن يتم الترتيب لها من خلال دعوة جادة لعدد من الرموز الفاعلة التي تستطيع صياغة رؤية متكاملة، وبرنامج حركة واضح، وشركاء حقيقيين فعليا، وأن يتم ذلك بعيدا عن الإعلام مؤقتا حتي تنضج الفكرة ويتم تجسيدها في قالب قابل للتطبيق والممارسة، ثم يتم البدء بالإعلان عنها. وغير ذلك طبقا لما هو مستقر عليه في إنشاء وتأسيس مثل هذه التيارات أو الحركات، فإن مصيره العدم بكل أسف وأن ما يعلن عنه لا يخرج عن »شو إعلامي«، يخدم أغراض وأهداف القوتين الاخريين، وهما: »القوة المعتادة للثورة من النظام القديم«، وقوي تيارات الإسلام السياسي«، وكلاهما قوة يعتد بها لما تمتلكه من أدوات قوة »إعلام تنظيم مال نفوذ سلطة في اجهزة الدولة إلخ«. إن تأسيس التيار الثوري الذي يمثل حقيقة القوي الثورية المختلفة، والذي قد يسمي بالتيار الثالث أو الكتلة الثالثة، مرهون بإرادة سياسية قوية تقدم العام علي الخاص، وتقدم الجماعة علي الفرد والذات، وتعبر عن ضمير جمعي حقيقي، ولها خطاب واضح وأجندة محددة، نأمل ممن يتصدرون المشهد في ذلك، أن يدركوا هذه الحقائق، حتي لا تصاب الفكرة بالسكتة القلبية مثل غيرها، وتستمر صدمة الشعب في نخبته السياسية بكل أسف. ملاحظة: خطاب مرسي داخل جامعة القاهرة، أثناء الامتحانات، جريمة قانونية ودستورية، ما كان لها أن تتم وهناك بدائل. فالمستقر عليه عدم جواز تغيير جداول الامتحانات. إلا في ظل كارثة، وأعتقد أن نجاح د.مرسي بإرادة شعبية ليس كذلك. ولا يخفف من هذه الخطيئة اعتذارات د.مرسي، ومازال الحوار مستمرا والثورة مستمرة، ونحن متواصلون.