كانت مقدمة بديعة تلك التي مهّد بها رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية لإعلان النتيجة النهائية. بكلمات قوية، وعبارات بليغة، ردت اللجنة بلسان رئيسها الأستاذ المستشار فاروق سلطان علي الحملات الرهيبة والافتراءات الوحشية التي شنتها قوي سياسية خلال الأسابيع العديدة الماضية ضد أعضاء اللجنة: اتهاماً، وقذفاً، وتشهيراً، وإرهاباً. هذه القوي المؤيدة لفوز "مرسي" و اقصاء "شفيق لم تتصور أن لجنة الانتخابات يمكن أن توافق علي فوز مرشحها، بل لعلها توقعت منها التزوير لصالح شفيق! ولا أعرف ماذا ستقول هذه القوي الآن بعد إعلان فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية؟ لقد أحسن الرئيس مرسي عندما أشاد بالقضاة الذين أداروا العملية الانتخابية بحيادية ونزاهة كاملتين. إشادة مرسي وحده بالقضاة لا تكفي. وأتوقع، كما أظن، اعتذاراً واضحاً صريحاً مسموعاً، مرئيا،ً و مقروءاً من كل رموز تلك القوي السياسية والإعلامية التي صالت وجالت في اتهام أعضاء لجنة الانتخابات الرئاسية بما ليس فيهم، وجاءت نتيجة الانتخابات أكبر دليل علي زيف تلك الافتراءات التي آلمت هؤلاء القضاة العظام وأساءت إلي تاريخهم المشرف في تحقيق العدالة. الإساءة بالغة. والجرح لم يلتئم بعد.. لكن المستشار فاروق سلطان كان مترفعاً، راقيا،ً عندما بدأ حديثه قائلاً: [كان أملي، وأمل جميع أعضاء اللجنة، أن يكون اليوم يوم احتفال بحصاد ما غرسه شعب مصر العظيم.. لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. فقد جاء يوم الحصاد الذي نرنو له جميعا علي خلفية أجواء من التوتر والشحن]. وبنفس الترفع والرقي.. ذكّرنا المستشار سلطان بأن أعضاء اللجنة مارسوا عملهم طوال الشهور الأربعة الأخيرة معاهدين ربهم ألا يخشوا سواه، وألا يرجوا إلا رضاه، ووقر في ضمائرهم أن نهجهم هو الدستور، و أن سبيلهم هو القانون. و تضاعف احترامي لشيوخ القضاة الأفاضل عندما كشف الفقيه القانوني المستشار فاروق سلطان عما كنا نعرف بعضه و نجهل البعض الآخر، قائلاً: [ فوجئت لجنة الانتخابات الرئاسية منذ اللحظة الأولي وقبل أن تبدأ عملها بحرب شعواء، و حملات التخوين، و التشكيك، شنتها العديد من القوي السياسية ترميها إفكاً، وبهتاناً بكل نقيصة، لمحاولة إضفاء أجواء من التشكيك والارتباك علي المشهد الانتخابي برمته.. كي تجعل اللجنة دوما في موقف المدافع، و عرقلتها عن التفرغ لإدارة العملية الانتخابية بالحيدة والتجرد اللائقين بشيوخ القضاة]. رغم صدق كل كلمة قالها رئيس لجنة الانتخابات كما سبق وتابعناه، ورفضناه، ونددنا به إلاّ أن الألم الذي خيم علي كلماته ضاعف كما قلت من صدمتنا وذهولنا مما ارتكبته تلك القوي في حق قضاة اللجنة، بصفة خاصة، وحق كل قضاة مصر، بصفة عامة. هل نسينا كيف أن رموز هذه القوي أطلقوا كما ذكّرنا "سلطان" الأكاذيب والاراجيف ودأبوا علي الاعتراض علي قراراتهم واتخذوا من صفحات الجرائد ومنابر الإعلام طريقا للاعتراض دون أن يسلكوا الطريق الذي رسمه القانون؟! وهل نسينا كيف إنها أي تلك القوي نفذت حملات ممنهجة لخلق مناخ كاذب يوحي بالتزوير.. إذا لم يفز من أرادوا فوزه؟! رغم كل هذه الاتهامات، والافتراءات، والشائعات، لأناس لا يثقون في أنفسهم فكيف ينتظر منهم الثقة في الآخرين؟! إلاّ أن أعضاء لجنة الانتخابات تحملتها بترفعها و رقيها ورفضت جرها إلي خصومات أو خلق معارك. واثقة في الآن ذاته من حصافة قراراتها. وهو ما تحقق حرفياً مع إعلانها النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية. السؤال الآن: هل سيعتذر المفترون للمفتري عليهم عمداً مع سبق الإصرار والترصد؟ لا أظن.