فكرة جوهرية في كتاب د.ليلي تكلا، وهي أن الثورات تنتصر عندما يكون الهدف أبعد وأكثر أهمية من إسقاط النظام.. السبت: نحن في حاجة إلي لحظة هدوء نتأمل خلالها معالم الطريق الذي نسير فيه أو نتجه إليه حتي نعرف موقع أقدامنا.. وما إذا كنا نقترب من تحقيق أهدافنا وأمانينا.. أم أننا فقدنا القدرة علي الرؤية وتحديد الاتجاه.. وربما نكون قد ضللنا الطريق ونقف علي حافة الهاوية دون ان ندري! كانت تلك هي التساؤلات التي تلاحقني والهواجس التي تراودني عندما شرعت في قراءة كتاب الدكتورة ليلي تكلا، وعنوانه: »في مسألة الثورة والدستور ونظم الحكم«. والكتاب ليس مجرد دراسة مقارنة حول الدساتير وأنظمة الحكم والانتخابات.. بل انه دعوة للاستماع إلي صوت العقل والضمير الوطني واعلاء شأن الديمقراطية والمواطنة.. وانقاذ مصر. والدكتورة ليلي تكلا تحذرنا مما قد تنزلق إليه الثورات.. وخاصة ان مرحلة ما بعد الثورة أشد خطورة من مرحلة الثورة. انها تستعيد تجارب ثورات قامت من أجل الحرية ثم جاءت بنظام أشد ضراوة في قمع الحرية.. وتجارب ثورات قامت من أجل العدالة الاجتماعية لكنها انتهت بخلق ظروف تساعد علي ان يكتنز الحكام الجدد المزيد من الثروات، وعلي ان يصبح الفقراء أكثر فقرا.. ثم أصبح الهم الأول والوحيد لهؤلاء الحكام الجدد هو البقاء في السلطة. ولهذا السبب، تستعرض الكاتبة-وهي استاذة في القانون والإدارة وشخصية مرموقة في الساحتين العربية والدولية- المحاذير العديدة التي تواجه الثورات: الانقسامات وتفتيت القوي والتشرذم وظهور فرق ومجموعات متعددة.. تتصور كل منها انها -وحدها- »الثورة« وان لها الكلمة والرأي دون سواها. وهنا تجد الدكتورة ليلي تكلا ان واجبها هو تذكيرنا بأن تاريخ مصر لم يبدأ بثورة 52 يناير أو ميدان التحرير، بل ان جذوره تمتد من الماضي البعيد المليء بالانجازات والعطاء والاداء المتميز لآلاف بل ملايين المصريين الذين قدموا ارواحهم فداء للوطن وشحذوا عقولهم من أجل الارتقاء به. وتري الكاتبة انه إذا كان لا يجوز ان نغفل التاريخ أو نتجاهل مكاسب تحققت عبر السنين، فانه لا يصح ايضا ادانة أو استبعاد كل من كان ينتمي لمؤسسة حكومية أو رسمية قبل ثورة يناير.. فليس كل ما كان قبل الثورة خطأ.. وكل ما جاء بعدها صوابا، ذلك ان مثل هذا التقييم يستبعد أعدادا غفيرة من المواطنين المخلصين الذين ادوا واجبهم الوطني في ظروف صعبة. وتستدعي الدكتورة تكلا قولا مأثورا لأحد الحكماء: »في غياب القانون.. تضيع الحقوق.. وفي غياب الدستور تتساقط مقومات الدولة.. وتضيع«. ولما كانت الثورة قد جاءت لاسقاط النظام، وليس لاسقاط الدولة ومقوماتها.. فان المرء يشعر بالقلق ازاء اهتزاز مقومات الدولة في الشهور الأخيرة بعد ان تواري الأمن وابتلعت الفوضي.. النظام العام وتفاقمت البلطجة بأشكالها المختلفة وانتشرت جرائم شديدة البشاعة. وتري الكاتبة انه لا يمكن استمرار الحياة في مجتمع أو بناء دولة بدون استقرار الأمن والنظام العام، كما انه من المفروض ان يكون القضاء مستقلا شامخا.. لا يحاول أحد توجيهه، ولا يسيطر عليه اتجاه أو آخر أو أحكام مسبقة أو محاكمات شعبية أو محاكم استثنائية. وبالتالي، فان علينا ان نحرص علي مبادئ العدالة الجنائية وسيادة القانون، ثم ان هناك وسائل يكفلها هذا القانون للمحاكمة واصدار الأحكام والاعتراض عليها.. لا يجوز الخروج عليها.. فالقضاء المستقل العادل المحصن هو احد مقومات الدولة.. فإذا اصابته شروخ.. اهتز كيان الدولة برمته. ثمة فكرة جوهرية في كتاب الدكتورة ليلي تكلا، وهي ان نجاح الثورة يتحقق بعد قيامها.. وليس بمجرد قيامها. فالثورات تنجح -في رأيها- عندما لا يقتصر الهدف علي مجرد اسقاط النظام القائم فحسب وإنما يكون هناك هدف آخر.. ابعد وأكثر أهمية هو بناء نظام جديد وتوافق وطني حوله.. وبطبيعة الحال، فان هذا النظام الجديد هو الذي يحقق أماني الشعب في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. بل ان الثورات تنتصر عندما يعمل الثوار علي اختصار مرحلة الهدم للنظام القديم والبدء -بجدية- في مرحلة اعادة البناء. وتضرب الكاتبة مثالا علي ذلك.. بأسبانيا التي حققت نهضتها لأسباب، منها ان شعار الثورة عقب اسقاط ديكتاتورية فرانكو.. كان: »دعونا نطوي ما مضي ونفتح صفحة جديدة لا تقوم علي الانقسام أو التشفي والانتقام..« وتوجه الكاتبة النداء إلي هؤلاء الذين قاموا بالثورة ومن ساندوها وانضموا إليها لكي يسجلوا معالم المستقبل في وثيقة أساسية. .. فلما كانت الثورة تعبيرا عن ارادة التغيير، فان الدستور هو الصك الذي يحقق ذلك التغيير، لانه أساس كل ما يأتي بعد ذلك من قوانين وقرارات.. ومن الطبيعي ان وضع الأساس يأتي قبل البنيان، وليس بعده. غير ان الأمور سارت عقب الثورة في الاتجاه المعاكس لما تراه الكاتبة.. فلم يوضع الدستور الذي لا تكتمل الشرعية المطلوبة للثورة.. إلا.. به، والذي ينظم سلطات الدولة ووظائفها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولذلك كان ينبغي -بالضرورة- ان يسبقها جميعا.. وان تأتي كلها وفقا لاحكامه. وبمناسبة »الجمعية التأسيسية للدستور«، فان هناك قاعدة دستورية اخذت بها مصر مقتضاها -فيما تري الكاتبة- ان الذين يقومون بتنظيم أمر أو انشاء منظمة لا يجوز ان يكونوا ممن سوف يشملهم ذلك التنظيم، بمعني ان أطراف القضية لا يصح ان يشاركوا في وضع القواعد التي ستطبق عليهم، وهي تقصد بذلك اعضاء البرلمان. وتطالب الدكتورة ليلي تكلا بضرورة ان يشارك في الجمعية التي تضع الدستور ممثلو فئات الشعب الذين يعبرون عن التعددية السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية والجغرافية.. إلخ.. تلك التعددية التي تعتبر مصدرا لثرائه وركيزة خصوصيته. وتدعو الكاتبة إلي تشكيل جبهة لانقاذ مصر.. لاستعادة هيبة الدولة وبناء مقوماتها، وهي تقدم نصيحة لقراء كتابها: »تعالوا معا لحب مصر«.. ذلك ان التصحيح الذي جاءت به الثورة يدعو إلي الوطنية والتكامل والتقوي، وكلها يجمع بينها الحب، كما ان التصدي لمحاولات التفرقة التي تسعي إلي الانقسام والصراع.. ضرورة حتي.. لا يستفيد منها.. أعداء مصر، أما الصلابة والتماسك والانتماء فانها السد المنيع الذي يجعل مصر تظل مصرية. الكتاب.. يشكل مساهمة قيمة في الحوار العام وكل حرف من حروفه بمثابة انوار كاشفة لامكانيات وابداعات الوطنية المصرية.. واضافة غزيرة ومكثفة لجهد تنويري عميق وطويل المدي في الثقافة والفكر. الجمعيات الأهلية الاحد: العمل الأهلي يحتاج إلي تحريره من القيود والبيروقراطية واطلاق امكانات وطاقات هذا القطاع الحيوي من خلال مشروع قانون يتيح لمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية تحمل مسئولياتها تجاه المساهمة الفاعلة في حل قضايا المجتمع. ولذلك يعقد الاتحاد الاقليمي للجمعيات والمؤسسات الأهلية ورش عمل وحلقات نقاشية لدراسة مشروع القانون المقدم من وزارة التضامن الاجتماعي والاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية برئاسة الدكتور عبدالعزيز حجازي. وتلقيت دعوة من الاتحاد الاقليمي للجمعيات الأهلية برئاسة الدكتور عز الدين فرغل للمشاركة في حلقة نقاشية نظمها الاتحاد بالتعاون مع المجموعة المتحدة »محامون مستشارون قانونيون« لدراسة المحددات الرئيسية لهذا القانون والفلسفة التي تحكمه. ودار النقاش حول مسودة مشروع القانون الذي أعدته المجموعة المتحدة بالتعاون مع الاتحادات الاقليمية للجمعيات الأهلية في احدي عشرة محافظة. والمعروف ان الجمعية الأهلية هي كل جماعة تتألف من أشخاص طبيعيين أو أشخاص اعتبارية، أو منهما معا، لا يقل عددهم عن عشرة، وذلك لاغراض غير الحصول علي ربح مادي لأعضائها، وتهدف للمساهمة في تنمية الفرد وتعظيم قدراته علي المشاركة الفعالة في الحياة العامة، كما تساهم في التنمية المستدامة للمجتمع في إطار قيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والادارة السلمية للتنوع والاختلاف، والدستور والقانون. وتعمل الجمعيات علي تحقيق اغراضها في كافة ميادين الرعاية الاجتماعية والتنمية وتنوير المجتمع في كافة الجوانب الثقافية والعلمية والفكرية والدينية والسياسية والرياضية وحقوق الانسان، وكل ما يحقق صالح المجتمع. وتوجد في مصر 83 ألف جمعية والمطلوب الآن هو تعديل أو تغيير القانون رقم 48 لسنة 2002 المنظم للجمعيات الأهلية لتحرير هذه الجمعيات من القيود المفروضة علي تأسيسها أو تحد من اتاحة الفرصة للمشاركة المجتمعية النشطة في احداث التغيير السلوكي والاجتماعي، وكذلك لوضع القواعد التي تحفز المشاركة في العمل التطوعي وترسيخ قيم المساءلة والشفافية. المناقشات حول مشروع القانون كانت خصبة وعميقة، وتناولت حرية تأسيس الجمعيات وسهولة اجراءاته، علي ان تكون لجهة الادارة، في حالة الاعتراض علي تأسيس أي جمعية، ان تلجأ إلي القضاء، وله وحده الحق في الحكم في صحة الاعتراض أو رفضه. كذلك تطرق الحوار إلي مسألة التسيير الذاتي للجمعية، بحيث لا تتدخل جهة الادارة في عمل هياكل الجمعية أو في تحديد تلك الهياكل.. فالجمعية مملوكة لأعضائها -مثلها مثل الشركة التجارية- ولا يجوز لجهة الادارة أو شخص لا ينتمي لعضوية الجمعية.. التدخل فيها.. وفي نفس الوقت، فانه من المقبول ان تخطر الجمعية جهة الادارة بما تصدره من قرارات، ولجهة الإدارة ان تطعن عليها.. والكلمة الاخيرة للقضاء. وانتقل النقاش إلي مسألة قبول التبرعات لتنفيذ انشطة قانونية تتفق واهداف الجمعية واحكام القوانين شريطة ان تعلن عنها الجمعية، وان تخطر بها الجهة الإدارية، والتي يكون من حقها ان تعترض علي قبولها امام القضاء الذي يصدر حكمه في هذا الشأن، واتفق الجميع علي حق الجمعيات في التواصل وتكوين الشبكات والتحالفات بشكل دائم أو مؤقت مع المؤسسات الدولية أو الاقليمية أو الوطنية علي ان يتم اخطار جهة الإدارة بذلك. لاحظت ان الدكتور عز الدين فرغل، رئيس مجلس إدارة الاتحاد الاقليمي للجمعيات والمؤسسات الأهلية حريص علي الحصول علي دعم وتأييد رموز مجتمعية لمسودة مشروع قانون جديد لعمل الجمعيات الأهلية يضمن تحرير واستقلالية هذا القطاع ويحافظ علي انضباطه في نفس الوقت.