جمال الغىطانى ليس أغرب من بدايات بعض الحكام الذين اعتلوا عرش مصر عبر آلاف السنين إلا نهاياتهم، يبدو ذلك خلال معظم العصور، ومع تنوع كل الانظمة المتعاقبة، المحافظ منها والثوري، في العصر المملوكي الأول الذي كانت مصر فيه دولة مستقلة تتكرر ظاهرة الحاكم الضعيف، محدود الذكاء، بل وبادي الغباء، الذي لم يخطر له الملك يوما أو ممارسة الحكم، لكن كان يحدث دائما بعد موت السلطان الحاكم اما ذبح أو اغراق أو حرق أو بطرق مجهولة، السلطان حسن بن قلاوون مشيد المدرسة العظيمة، اختفي في الرابعة والعشرين ولم يعثر له علي جثة، وظل قبره في العمارة الرائعة التي بناها خاليا من جثمانه، نادرا ما مات أحد السلاطين العظام علي فراشه، كان الأمراء الكبار ينتظرون حتي يحسم الصراع فيما بينهم ويتولاه أقواهم، وحتي يتم ذلك كان يجري تولية أضعف وأتفه الحكام المتاحين ليكون مجرد واجهة للصراع القائم، لكن كان يحدث دائما أن الأغبي والأتفه ما إن يتولي الحكم وبتعبير المؤرخ المصري ابن اياس »ويبدو انه ذاق حلاوة السلطنة«، ما ان يعرف حلاوة الحكم حتي يبدي من فنون المهارة في الحفاظ علي عرشه ما يذهل، ونلاحظ ان الأضعف والأغبي هو الأطول بقاء والأمهر في لعبة السلطة، وآخر سلاطين المماليك الغوري تولي بعد الستين وفي البداية بكي وخلع العمامة غضبا وخشية من الله رب العالمين ان يظلم العباد، ولكنه تحت ضغط الأمراء تولي بشروط منها الا يستمر في الحكم أكثر من بضعة أسابيع. ولكن بعد ان ذاق حلاوة السلطنة، استمر ثمانية عشر عاما قتل خلالها كل من سولت له نفسه التفكير في الصعود إلي الكرسي، ولولا الغزو العثماني لبقي حتي وفاته أو قتله، استمر مبدأ بقاء الحاكم حتي الموت، سواء بقضاء الله أو قتلا بالتآمر إلي عام اثنين وخمسين في القرن الماضي، ولكن ثوار يوليو احتفظوا بالمبدأ المملوكي العريق، الحكم حتي الموت، وقد عرفنا خلال ستة عقود عمليا ثلاثة فقط، ومن اعظم انجازات ثورة يناير اسقاط هذا المبدأ بعد ان عرف المصريون ما لم يعرفوه من مماليك العصور الوسطي في القسوة والنهب المنظم خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة. أيضا من النتائج اسقاط الهيبة التي كانت تحول دون الانقضاض علي الحكم واسقاطه عنوة رغم استحلابه حلاوة السلطنة، علي الأقل هذا ما نرجوه في المستقبل القريب والبعيد. فلم يعرف شعب ظلما من حكامه مثلما عرف الشعب المصري الذي نادرا ما وجد من يليق به.