جلال عارف فرحتنا بالذهاب لانتخاب أول رئيس للجمهورية في منافسة مفتوحة أمام الجميع لا ينبغي ان تنسينا أشياء كثيرة، منها أن هذا الانجاز هو انجاز قوي الثورة الحقيقية التي يراد حصارها وإبعادها عن المشهد!! وأن هذه الخطوة لا ينبغي أن تخفي ما نراه في المعركة الانتخابية من مساوئ تبلغ حد الكارثة.. فالمال ينفق بلا حساب وبلا رقابة »!!« والبعض لا يخفي انه يسعي لاقامة الدولة الدينية التي لم يعرفها الاسلام الصحيح »!!« والبعض يعمل جاهدا لكي يعيدنا للماضي ولكي يشغلنا بقضايا كنا نظن اننا قد انتهينا منها، وهذه هي المأساة الكاملة.. أن نجد أنفسنا بعد ثورة تفتح امامنا أبواب المستقبل، فإذا بالبعض يصر علي اعادة انتاج أسوأ ما قاسيناه في الماضي!! كنا نضحك في صبانا ونحن نقرأ قصة أحمد لطفي السيد باشا استاذ الاجيال والسياسي والمفكر العظيم حين رشح نفسه في أول انتخابات برلمانية بعد دستور 23. وكان المفترض ان يكتسح الانتخابات بسهولة، لكن المنافس ذهب إلي الناخبين من الفلاحين في الدائرة ليقول لهم ان لطفي السيد رجل »ليبرالي« شارحا ذلك بأنه كافر يريد هدم الدين واشاعة الفوضي في المجتمع. وجاء لطفي السيد وسألوه: هل أنت ليبرالي؟ وقال الرجل: نعم!! ووقعت الواقعة وسقط لطفي السيد ونجح الجهل والكذب والاتجار بالدين. كنا نضحك في صبانا ونحن نقرأ ذلك في كتب التاريخ السياسي. الآن يملؤنا الأسي والفيلم يعاد انتاجه بصورة اكثر رداءة، وأكثر تخلفا وانحطاطاً!! حتي ثورة يوليو 52 كان الطلاب يدرسون تاريخا رسميا يقول ان البطل أحمد عرابي خائن وكافر!! أما »الخيانة« فلأنه قاد الثورة علي الاسرة الملكية الفاسدة باسم الفلاحين المصريين. وأما »الكفر« فلأن الخليفة العثماني لم يكتف بكل جرائمه وجرائم اسلافه في حق شعب مصر، فأرسل فتوي بخروج عرابي ومن معه علي الدين، وبتأييد جيش الاحتلال الانجليزي »المؤمن طبعا!!« وهو يجهض ثورة شعب مصر. ثورة يوليو أعادت الاعتبار لعرابي وثورته المجيدة بعد 70 سنة ظل فيها متهما في التاريخ الرسمي بالخيانة والكفر.. والآن لدينا مشكلة، حيث البعض يشتاق لخوازيق الخليفة العثمانلي، ويدعو لعودة عهده السعيد! الأزهر الشريف.. بكل تاريخه العظيم يتعرض في موسم الانتخابات لقصف الجاهلين والمتطرفين.. انهم يكرهون ما ينشره من تسامح ووسطية واسلام معتدل ويكرهون أكثر أنه ظل علي مدي السنين عنواناً لقبول الآراء المختلفة واقامة الحوار بينها. يحتضن الأزهر الشريف مذاهب الائمة الكبار ويقوم بتدريسها جميعاً، ويترك لابنائه أن يقارنوا ويختاروا ما ترضاه عقولهم من آراء كلها تجتهد في رحاب الدين العظيم. أصحاب السمع والطاعة يكرهون ذلك. أعداء حرية الرأي لا يطيقون تعدد الآراء. المتطرفون يحكمون علي كل من يخالفهم بالكفر. جزء مهم من المعركة الانتخابية يدور حول الأزهر. بين الملايين التي تريده حصنا للإسلام ومرجعية وحيدة لها في كل أمور الدين، وبين من يريدون ضرب هذه المرجعية لكي ينشروا افكارهم المتطرفة وراياتهم السوداء!! هل هو قدر مصر.. ان تظل دائما تحلم بالمستقبل، بينما قوي التخلف تشدها إلي الوراء؟!