داود الفرحان علي الرغم من كل ما يقال عن تراجع السياحة في مصر، أسعدني ان أري سياحاً يابانيين يجوبون شوارع القاهرة وخان الخليلي ويحاولون جهدهم نطق بعض الكلمات العربية دليلاً علي الود والمجاملة. والسياح اليابانيون يستمتعون بأوقاتهم تماماً لانهم قوم بسطاء غير معقدين. يرتدون أي شيء ويأكلون أي شيء وينامون في أي مكان. واذا دخلوا مطعماً شعبياً في مدينة مثل القاهرة فانهم لا يمضون نصف ساعة في إستعراض أنواع الاكلات التي يقدمها المطعم، ولكنهم يكتفون بطلب مماثل للطعام الذي يأكله أي مصري في المطعم نفسه.. حتي لو كان كوارع! وعموماً يضع الياباني الذي يستعد للسفر الي خارج بلاده آلة التصوير علي كتفه قبل ان يضع نقوده في محفظته! بل انه يتمسك بآلة التصوير أكثر من تمسكه بالبيجاما أو ماكنة الحلاقة أو صورة والدته! ولذلك فانه من النادر ان تجد سائحاً يابانياً لا يحمل آلة تصوير حتي لو كان يريد الذهاب الي مرافق صحية عامة! والسياح اليابانيون ظاهرة عالمية لطيفة. وانت تستطيع مشاهدتهم في الصحراء العربية أو جبال الالب أو الغابات الاستوائية. وتجدهم علي ظهور البواخر عابرة المحيطات وفي الطائرات عابرة القارات وفي السفن الصغيرة التي تنتقل بين الجزر اليونانية وفي (الجندولات) الشاعرية التي تتهادي في قنوات البندقية الايطالية. وتجدهم يتعاملون مع باعة الآثار والهدايا و(الانتيكات) والملابس الفولكلورية في الاحياء الشعبية. وتلاحظهم يركبون ظهور الجمال والفيلة والحمير. وقد جربت ان أكون يابانياً مثلهم خلال بعض سفرياتي الي الخارج ولكن النتيجة كانت عكسية تماماً. فلم "أنقنق" كثيراً مع موظف الفندق في تونس الذي إختار لي غرفة تشرف علي خرابة خلفية جرداء ولا تطل علي البحر. وكانت النتيجة إنني بدأت أسخر من فريد الاطرش الذي غني لتونس الخضراء! ولم أتمعن طويلاً في قائمة الطعام الذي تناولته في بانكوك.. فكانت النتيجة إصابتي بارتباكات معوية حادة رافقتني خلال رحلة جوية إستغرقت تسع ساعات! والعلامات المميزة التقليدية لأي ياباني سائح هي قبعة صغيرة وسروال قصير مزركش وآلة تصوير وحزام جلدي في أحد أطرافه محفظة نقود جلدية. أما اللغة فليست مشكلة حتي لو كان لا يعرف أي لغة غير اليابانية، فهو يسألك: "ديو سبيك جابانيس؟" ولا ينتظر إجابتك وإنما يبدأ الحديث معك باللغة اليابانية ويحرك يديه ورأسه بأية إشارة مناسبة. فاذا أراد ان يفهمك انه موسيقار فهو يقول لك: "أون كوكا".. ثم يؤشر بيديه كما لو كان يعزف علي الكمان! وللغة الاشارات قصة طريفة حدثت معي في طوكيو. فقد حدث ان أردت من عامل المطعم الشعبي ان يقدم لي صحناً من الطماطم لاتناوله مع المشويات علي طريقتنا، فعملت دوائر صغيرة باصابعي مع إشارة الي اللون الأحمر، لكنه لم يفهم مني شيئاً فذهب وعاد مع رئيسه للاشتراك في حوار الطرشان. فأعدت تمثيل الدور مرة أخري فذهب معاً وعاد العامل حاملاً شرائح من الفجل الأحمر! ولانني أحب الفجل فقد رحبت به ولكني طالبت العامل مرة أخري، بالاشارات أيضاً، بصحن الطماطم، وقبل ان يتركني لمحت قطعة طماطم علي مائدة أحد الجالسين فأشرت إليها، وهنا صاح العامل ضاحكاً: "أوه.. تماته"! اذا أردت ان تكون سائحاً جيداً كن يابانياً!