إبراهيم سعده مهما بلغت حدة الاشتباكات الكلامية بين عمرو موسي وعبدالمنعم أبو الفتوح خلال مناظرتهما التاريخية علي شاشة قناة "أون/ تي.في" فإنها كانت في حدود المتعارف عليه في مثل هذه المناظرات في الولاياتالمتحدة وبعض دول أوروبا. آخر مناظرة تابعتها كانت بين المترشحين لرئاسة فرنسا اليميني: نيكولا ساركوزي، واليساري: فرانسوا هولاند تضمنت هجوماً شخصياً ومتبادلاً من الإثنين. ولا أظن أن هذه الاشتباكات لعبت دوراً ما في حسم نتيجة الانتخابات التي أبعدت ساركوزي بماضيه السياسي الطويل عن قصر الإليزيه، وجاءت بهولاند الذي لم تختبر قدراته السياسية بعد، حيث كان متفرغاً لمناصب تولاها في سكرتارية الحزب الاشتراكي. لقد اختار الفرنسيون من لم يختبر بعد ليس هوساً بشخصه ولا هويته، وإنما ملل من اليمين الذي يحكمهم خلال السنوات العديدة الماضية، وضيقاً من رئيسهم الحالي الذي يحمّلونه مسئولية كل الأزمات الاقتصادية التي يعانون منها. وظني هذا يؤكده أن هولاند فاز في الانتخابات بنسبة 51.9، مقابل 48.1، ل: ساركوزي. أي أن الفارق بينهما لا يتعدي ال: 1.8، فقط. ونعود إلي اشتباكات الرأي والرأي الآخر خلال ساعات المناظرة المصرية بين عمرو موسي و عبدالمنعم أبوالفتوح التي عرض كلاهما برنامجه الانتخابي في حال فوز أحدهما بالقصر الجمهوري في حي مصر الجديدة حيث اتهم "أبو الفتوح" منافسه "موسي" بإنه من "الفلول" لا لشيء إلاّ أن عمرو موسي التحق بوزارة الخارجية بعد تخرجه أثناء حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وبدأ من أول السلم كسكرتير ثالث مروراً علي ترقيته كالمتبع ليرتفع خطوة بعد أخري وصولاً إلي منصب السفير في العديد من عواصم الكرة الأرضية خلال فترتي حكم الرئيس الراحل: أنور السادات، والرئيس السابق حسني مبارك. براعة عمرو موسي الدبلوماسية وكاريزمته الساحقة اللتان عُرف ولايزال يشهد كثيرون بهما.. و أنا أحدهم منذ أن تعرفت عليه لأول مرة، في بداية الستينيات.. عندما عمل سكرتيراً أول في سفارتنا في "برن"، عاصمة سويسراً التي بدأت عملي الصحفي منها: مراسلاً لصحف دار أخبار اليوم. وقتها كان الحدث المصري/ العربي الأعظم هو: الثورة الجزائرية بقيادة أحمد بن بلا ضد الاحتلال الفرنسي، وهو الملف الذي أسنده الزعيم عبدالناصر آنذاك إلي أحد الضباط الأحرار المقربين منه بالكفاءة والقدرات " فتحي الديب" الذي عين سفيراً لمصر لدي سويسرا ليكون بالقرب من منظمة التحرير الجزائرية وعلي اتصال مباشر ودائم مع مفجري الثورة وعلي رأسهم أحمد بن بلا، وهواري بومدين، وأبو تفليقة، وغيرهم من أعضاء مجلسها. وعن قرب .. تابعت وازددت تقرباً وتعرفاً علي عمرو موسي: ناصرياً قلباً وقالباً، وثورياً لا يهدأ أملاً في تحرير الأمة العربية من المحيط إلي الخليج وامتداداً إلي شمال أفريقيا بكل دولها العربية والإسلامية. رأيت سفيرنا في سويسرا آنذاك "فتحي الديب" يختص زميله الدبلوماسي البارع الشاب: عمرو موسي من بين كل دبلوماسيي السفارة بثقته في ناصريته، وعروبته، وقوميته، فكلفه وحده بمشاركته في متابعة أحداث وتطورات الثورة الجزائرية، وأيضاً .. في مقابلاته واتصالاته الشخصية أو الهاتفية آو عبر وسطاء برموز الثورة الجزائرية، من جهة، ومع ممثلي فرنسا دولة الاحتلال من جهة أخري.. لعرض الجمع بين الطرفين من خلال التفاوض، وصولاً إلي حل يرضي الطرفين. وهو ما تحقق بالفعل عندما وافق الطرفان علي ما عرف فيما بعد ب "مباحثات بلدة "ايفيان" الفرنسية علي الحدود مع مدينة جنيف السويسرية وانتهت بإقرار انسحاب فرنسا من الجزائر ، وحصول ثورة شعبها علي استقلال بلادها وسيادتها فوق أرضها بعد عقود عديدة من الاحتلال الفرنسي الأكثر قهراً وقمعاً وبشاعة. وأذكر أن أستاذنا الكبير الراحل أحمد بهاء الدين كان وقتها رئيسا لتحرير دار أخبار اليوم، وكان من رأيه أن توقيع اتفاق ايفيان للسلام بين فرنساوالجزائر من الأهمية بمكان يضطره للسفر إلي جنيف لمتابعة وتغطية هذه المباحثات التاريخية إلي جانب مراسلي "أخبار اليوم" آنذاك الزميل الصديق والأستاذ الراحل: ممدوح صالح، وكاتب هذه السطور.. وهذه قصة أخري.