د. محمد السعدنى جاءني صوته الحميم عبر الهاتف متساءلاً: لماذا لاتكتب؟ وأمام ثقته التي أعتز بها وأقدرها قدمت أعذارا أعلم أنها لاتقنعه وربما تزعجني أيضاً، ذلك أنني مثل كثيرين غيري من العلماء والمثقفين وأصحاب الفكر والرأي قد حولنا مايحدث في مصر إلي نوع من النظارة البليدة في مسرح العبث واللامعقول الذي دشنه سامر السياسة المرتجل الذي نقل الوطن كله إلي حيث دار ابن الأرقم أو باحة فناء إبي سفيان بن حرب في عرض مكرور لحرب البسوس أو داحس والغبراء. فنري كليباً تحمله الحماقة يحرض القوم والزير سالم مهلهلاً يقرض قصيدة النثر والخنساء لاتزال في رثائها تقطر أسنانها بالدم ومسيلمة الكذاب يخطب الناس حيث لايوم جمعة ويؤمهم في صلاة بلا وقت، وعكرمة شمر عن ساعديه متجهما يعنفنا وكأننا كفار قريش، وأخوة يوسف يأتمرون عليه وعزيز مصر يراود فتاته في مضجعه وسيف بن ذي يزن يبكينا حرقة الخسارة وزرقاء اليمامة تعاني حول الإبصار وسيف الدين قظز لايزال يعالج طعنة الظاهر بيبرس بعد انتصاره علي التتار والصالح أيوب يمشي حاسر الرأس في الطرقات ومولانا الحسين لايزال شهيدا والفتي مهران لم يعد بعد وطني عكا وتشابهت علينا الأيام فماعاد عبد الناصر يخطب علي منبر الأزهر فقد اعتلي المنبر رويبضات الجهامة والتخلف ومعهم البلاكمة الجدد وقد أوقعوا جميعهم بقرة الوطن الحلوب في غيابات الجب، يحاولون إلباس مصر عمامة بن عبدالوهاب وأمرائه ووكلائه وكفلاء المرحلة الإعلامية الثورية الاستيطانيةالجدد. إنه مشهد العبث ومنشط من لاعمل له إلا نهش الوطن وزرع الفتن، فلاتقل لي إن مصر مثل كل دول العالم بلد تحكمه نخبة راشدة، فالأمر في بلادنا أشبه مايكون بوطن اختطفته زمرة جاحدة طامعة وكذئب عقور جائع يتلمظ لنهش أوصال الوطن، ألا ساء ماتحكمون. ودونما اتفاق دارت كل هذه الصور في مخيلتي بينما تقلب أصابعي قنوات الفضائيات المصرية والعربية، وإذا بالربيع العربي جفت أوراقه وتشنجت نسائمه وتبددت بشاراته بكل مافي نخبة السياسة والاعلام من تخلف وتسطح وجهل ومروق. إعلام كرس للتفاهة والبله، إعلام لايقرأ وإن قرأ لايفهم وإن فهم أحسبه صامت كما زائل إلي موات. إنه إعلام المستوطنات الوهابية والخليجية وكفلاؤهم الذين شيدوها عبر الأثير العربي ورفعوا أعلامها علي معظم وأغلب قنوات البث المصرية، وراحوا يلبسون مصر ثوب التراجع والقعود ويضعون حجاب التخلف فوق مفرقها ويعقدون فوق رؤسنا عقالات التجهم والفظاظة والتصحر والارتياب، يعادون الثورة ويطاردون الحداثة ويستهجنون التقدم ويدعون كذباً امتلاكهم صكوك الغفران وطريق الفردوس وصحيح الطريق. كيف وماذا أكتب ياصديقي وقد ضاعت كلماتنا هباء عند حافة صولجان قيصر قديم ثم داستها مؤخرات غليظة لقياصرة جدد مدجنون بذقون مدببة مخيفة وأصوات أجشة زاعقة وأذهان البداوة والفراغ، تكرر معنا الخطايا كل يوم وتكيد للدماء الذكية كل يوم في الجمل وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبور سعيد والعباسية واحد واثنين وربما أكثر، وكأننا سيزيف يحمل صخرته المقدسة يدفعها بكل قوة وكد لقمة الجبل وما إن تستقر حتي تعاود الهبوط ويعاود سيزيف الكرة من السفح للقمة ، لكننا مثله لن نيأس ولن تخبو همتنا وسنظل نحلم بفجر جديد وسنظل نعمل ليوم جديد، ولن نقر مع إعلامنا المتواطؤ الغبي بأن المجد للشيطان معبود الرياح والمتحكم بكفلاءه ودولاراته الناضحة برائحة النفط في أثير فضائنا وحناجر مشايخ السلطان الذين يشنقوننا بكلماتهم وترهاتهم كل يوم، يعلقونا علي أعواد أطماعهم ويحاولون اختطاف الوطن. :تثاءبت بينما تتصفح أصابعي ديوان أمل دنقل، إذ يقول من قال لا.. في وجه من قالوا نعم من علّم الانسان تمزيق العدم من قال لا .. ولم يمت، وظل روحا أبدية الألم ! معلّق أنا .. عليمشانق الصباح وجبهتي - بالموت - محنيّة لأنني لم أحنِها .. حيّة !! يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين منحدرينفي نهاية المساء في شارع الاسكندر الأكبر : لا تخجلوا .. و لترفعواعيونكم إلي لربما .. اذا التقت عيونكم بالموت في عيني : يبتسم الفناء داخلي .. لأنكم رفعتم رأسكم .. مرة ! سيزيف لم تعد علي أكتافه الصخرة لأن من يقول ( لا ) لا يرتوي إلاّ من الدموع ! فلترفعواعيونكم للثائر المشنوق فسوف تنتهون مثله .. غداً والودعاء الطيبون .. هم الذين يرثون الأرض فينهاية المدي لأنهم .. لا يشنقون ! يا قاتلي : إني صفحت عنك .. في اللحظة التي استرحت بعدها مني : استرحت منك ! لكنني .. أوصيك إن تشأ شنق الجميع أن ترحمالشجر ! لا تقطع الجذوع كي تنصبها مشانقاً فربما يأتي الربيع والعام عام جوع فلن تشمّ فيالفروع .. نكهة الثمر ! وربما يمر في بلادنا الصيف الخطر فتقطعالصحراء باحثاً عن الظلال فلا تري سوي الهجير والرمال ويا إخوتي الذينيعبرون في الميدان في انحناء منحدرين في نهاية المساء لا تحلموابعالم سعيد .. فخلف كل قيصر يموت : قيصر جديد