لام أحد الخلفاء -وهو يخطب على المنبر- رجلاً من ذرية عثمان بن عفان (رضى الله عنه)، قائلاً له: إن عثمان خالف منهج الخليفتين الراشدين من قبله أبو بكر وعمر، فى ارتقاء درجة المنبر العليا التى كان يخطب منها النبى الأكرم (صلى الله عليه وسلم)، حيت ظل أبو بكر يخطب على منبر رسول الله (صلى الله عليهوسلم) وهو على الدرجة الثانية، وليس على الدرجة الأخيرة التي كان يخطب عليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، تأدبًا معه، ثم جاء عمر فارتقى الدرجة التى تليها أى الثالثة، تأدبًا لمكانة الرسول الأكرم، وتأدبًا مع سلفه الصديق، ثم جاء عثمان فارتقى الدرجة العليا وهى التى كان يخطب عليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلم يقتد بأبى بكر وعمر وخالفهما. ورد الرجل على الخليفة :والله لو طبق عثمان هذه السنة فنزل درجة ثم الخلفاء من بعده درجة لكنت الآن يا أمير المؤمنين تخاطبنا من قاع بئر! ولم يملك الخليفة لحظتها إلا أن يضحك مسلمًا للرجل بحجته. حضرتنى هذه القصة الطريفة بعد ما رأيت الصحف القومية قد اكتظت بمقالات طويلة عريضة لرؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارات صحف سابقين وكل من رحل أو رُحِّل أو استقال أو أقيل، حرص أن يكون له مقال عليه اسمه وصورته؛ حتى اكتظت الصفحات المخصصة للمقالات وضاقت بهم، وأصبحنا وكأننا نعيش العصور البادئة فالأسماء هى هى، والموضوعات هى هى، وإن زوقوها وزخرفوها.. ولم نعد نشعر بأن الصحف القومية أصابها التغيير الجذرى، على الرغم من تغيير "مانشتاتها" وحديثها الذى أصبح بوصلته تتجه إلى الحديث عن الثورة وشباب الثورة وما يحدث لرئيس ما قبل الثورة وعائلته ولزوار سجن طرة والأحداث التى لحقت ذلك والقضايا العديدة التى تمخضت عن أحداث ما بعد الثورة وترشيح الشعب ثم الشورى ثم المرشحين للرئاسة وووووووو. إن احتلال رؤساء تحرير الصحف ورؤساء مجالس الإدارات السابقين يأتى "بسيف الحياء" وقديما قالوا: "إن ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام".. نعم فرؤساء التحرير الحاليين تلاميذ لهم لا يستطيعون أن يرفضوهم كتابًا - وفى راوية أخرى "كتبة".. وفى النهاية تزيد مساحة هؤلاء الكتبة حتى إننا أصبحنا نقرأ للغابرين ممثلين العهد السابق وكأنه أصبح لزامًا علينا أن نراهم فى كل عهد، وكل وقت حتى بعد أن تغير الزمن ودارت عجلة الحياة دورتها الكاملة وتغيرت معها أسماء وأشخاص وأشياء وقضايا وثوابت وقيم . والغريب أن أكثر هؤلاء ليسوا "كتبة" بالمعنى الاصطلاحى فى الصحف، أى ليسوا أصحاب قلم، ولم يكونوا كتاب مقالات بقدر ماكانوا يملأون الصحف بمقالات واختلاق واختراق موضوعات، تصل فى بعض الأحايين لصفحة كاملة بصورهم الضاحكة، أو قل "الكالحة" ، والمهم أن يحتلوا هذه المساحات الطويلة العريضة ويثبتوا للقراء أنهم" على قدر المسئولية" وهى ليست مسئولية بقدر ماهى وجاهة إعلامية فقط.. ثم لما ولَّوا مدبرين، وتركوا كراسيهم أبوا إلا أن يقولوا للناس: "نحن هنا"، ظهروا على عمودٍ أو عمودين أيضًا بالصور إياها. ثم تقرأ فتجد تكلفًا فى الطرح وعدم منطقية فى الموضوع ولا تملك إلا أن "تمصمص شفتيك" عجبًا ودهشة، و تقول هى إمبراطورية الصحافة لا تزال تحتفظ بلقب "صاحبة الجلالة" فلا يستطيع أن يمسها شىء من رياح التغيير التى أتت بالأحسن والأفضل كما كان ينتظر أهل المهنة كثيرًا لا تزال تخشى السابقين بعد أن شبت البشرية كلها فى كل أنحاء الدنيا عن الطوق، وزلزلت كيان مؤسسات سياسية ووزارية ورئاسية كبرى لم نكن نحلم أنها سوف تنهار ويخر مسئولوها على ركبهم أو على أعناقهم أو يحلوا ضيوفًا فى "طرة" وغيرها. إذا استمر مسلسل استكتاب كل رؤساء التحرير السابقين فى الصحف القومية فلن نجد مساحات للصحفيين المبدعين، سيما الشباب، الذين يتلهفون على مساحة ولو نصف عمود لنشر مقالة مفيدة تخدم الصالح العام.. وإذا استمر هذا المسلسل فما أدراكم فقد يأتى يوم نخطب فيه فعلاً من قاع بئرٍ، بعد أن ارتقى خطباء الصحف -قصدى رؤساء الصحف الأقدمين- الدرجات كلها لمنبر "صاحبة الجلالة" ولم يتركوا لأحد موضع قدم، عفوًا موضع قلم! دمتم بحب [email protected]