"علي الإعلام أن يقل خيرا أو ليصمت ". بهذه الكلمات البسيطة، والحاسمة، وضع خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية يديه، علي بيت الداء. وأحد أهم أسباب الأزمات، وآخرها. قضية سحب السفير احمد قطان، ثم عودته. فقد أشعل الإعلام المصري نار الفتنة. ولم يعد تجدي تلك المقولة، التي كنت أتمسك بها، في مواجهة أي هجوم علي الإعلام. بأن "ناقل الكفر ليس بكافر". ولكن الوقائع تؤكد أن الإعلام، خاصة صاحب الأجندات الخاصة، أو ذلك الذي يؤدي دوره. في غياب المهنية، والالتزام بالمصداقية. قد تسبب في كوارث، وأزمات لمصر، داخليا وخارجيا، لقد كان الإعلام قادرا، علي التعامل مع قضية المحامي احمد الجيزاوي بما تستحق. مواطن مصري، تم ضبطه مخالفا لقوانين دولة آخري . وهو برئ حتي تثبت إدانته. ولكنه حولها إلي قضية كرامة وطنية، تستلزم الجهاد والنضال . وقام بسكب "الزيت المغلي علي النار" ولن أمارس، هنا لعبة "جلد الذات ". ولكن سأحاول أن أقدم، رؤية متكاملة للازمة السياسية. ، التي كشفت عنها، تداعيات ما حدث بين مصر والسعودية . من خلال عملي في الشؤون العربية لأكثر من 30 عاما . واهتمامي بصفة عامة، بملف العلاقات المصرية العربية، بصفة عامة، والخليجية بصفة خاصة. وعلاقات مع عدد من كبار المسئولين، والمثقفين، وقادة رأي، ونخب في العديد من الدول العربية. وقناعتي بان العلاقات بين العرب ومصر. يحكمها ليس فقط المصالح المشتركة. ولكن الروابط التاريخية، وأحكام الجغرافيا. ولعل الإشكالية الأساسية، والتي يجب أن نعترف بها. بكل الشجاعة والصدق مع النفس. أن جزءا كبيرا مما يحدث. يعود في اعتقادي إلي ذلك التناقض في المشاعر المصرية تجاه العالم العربي، والخليج بصفة خاصة. والمزج بين شعورين، هما طرفي نقيض، الأول شعور " الاستعلاء"، تجاه مواطني الخليج. والتعامل بأسلوب "المن ". فنحن أصحاب حضارة السبعة آلاف سنة. وهو أمر صحيح ولكننا نستمر في الاعتماد علي التاريخ . ونؤكد أن المدرس المصري، هو من علم الخليجيين . كل ذلك صحيح، وتعترف به النخب الفكرية من كبار السن في دول الخليج . ولكننا لم نتجاهل، أن العالم تغير. مع تدهور التعليم المصري، وقيام قطاعات جديد من الشباب الخليجي، بتلقي تعليمهم في الغرب، كما تقدمت كثيرا القدرات التعليمية. في كل المراحل في دول الخليج. أما الشعور الثاني، فهو الإحساس ب"التدني ". الذي يحكم العلاقة بين الطرفين . في ظل الوافرات البترولية، التي حققتها دول الخليج، التي أصبحت قبلة لقطاعات كبيرة، من مصر ودول العالم، للعمل هناك، والبحث عن الرزق، والأمر يبدو طبيعيا لكل الجنسيات، ولكنه مختلف بالنسبة للمصريين . ولعل المزج بين الشعورين . لا يثمر توجه، أو موقف صحيح. خاصة أذا أضيف لها الأزمات بين أفراد الجالية المصرية نفسها . علي عكس الدول ألآخري. والتي تتميز بتآزر وتوحد بين أفرادها. سواء السودانية، واللبنانية، ودول شرق آسيا . ويستدعي الأمر، صياغة شكل جديد وواضح، للعلاقة بين المصريين والخليجيين، تقوم علي فكرة المصالح المتبادلة. إذا لم نتقبل فكرة خصوصية العلاقة التاريخية . والوشائج بين الطرفين ولعل الأزمة الأخيرة بين مصر والسعودية تمثل "جرس إنذار" فهي غير مسبوقة، بعد سنوات طويلة من التوافق في المواقف بين البلدين . في إعقاب نكسة 1967. والتي أنهت الخلافات بين الزعيم عبد الناصر والملك فيصل. والذي اتخذ موقفا تاريخيا . بقيادة المطالبة بدعم مصر ماديا ومعنويا، وإزالة آثار العدوان . فلم يسبق أن قامت السعودية نتيجة أزمة ثنائية. بسحب سفيرها أو إغلاق سفارتها، ولعل الفائدة الأهم من الأزمة، هي إعادة الأغلبية الصامتة، من المصريين إلي صدارة المشهد السياسي . والخروج للدفاع عن العلاقات التاريخية، والأزلية بين البلدين. وعلينا أن ندافع عن حقيقة، يعترف بها المسئولون عن ملف الأمن في دول الخليج . أن الجالية المصرية . هي الأكثر التزاما بالقوانين . والأقل إثارة للمشاكل . فقط مع ترشيدا لشعور بأن "المصري علي رأسه ريشة" خاصة في الخارج