ما وصلنا اليه بالامس كان نتيجة حتمية للارتجال والتسرع وما كان ينبغي ان ننزلق في هذا اليم الكبير من التخبط لتأسيس الدولة الديمقراطية الحديثة المرجوة بعد الثورة. أرأيتم كيف هوت بنا تلك اللجنة التي كلفت لوضع تعديلات دستورية تقوم عليها حياتنا السياسية ونبني من فوقها مستقبل الوطن، ام انها كانت لجنة بعيدة تماما عن الاحداث الجسام التي مرت بها مصر وقامت من اجلها الثورة، كم انا حزين ان يفقد البعض منا الاحساس بالمسئولية التاريخية ويدفع بالامة كلها الي صراع، لا يعلم احد الا الله وحده متي ينتهي وعلي اية حال سوف ينتهي. لقد بُحت اصواتنا ان ارجعوا عن هذا الاعلان الدستوري بأي طريقة حتي يتسني لنا مراجعة ما فيه من كوارث، ولم يسمع لنا مسئول ولا رفيق »ميدان« ولا عاقل من هؤلاء الذين تربوا في مدرسة الاخوان الاصيلة قبل ان يتخطفها الطير، ولا ادرك البسطاء وقلب الشارع النابض من اهالينا هذه المصيبة الواقعة فوق رؤوسنا جميعا عما قريب، لانهم لم يعلموا بالفعل ماذا تحوي هذه التعديلات وماذا يحمل الاعلان الدستوري الذي اصدره المجلس العسكري لاحقا علي الاستفتاء، نعم لم يدرك العامة من الشعب الكارثة الا بعد ان وقعت، لكنه فقط سمع آناء الاستفتاء عليها ان من يقول نعم فهو مع الاسلام ومع المادة الثانية في الدستور التي تحفظ لمصر هويتها الاسلامية وتطبيق الشريعة ومن يقول لا فهو مع العلمانيين الملحدين، ومن علي شاكلتهم، شيء مروع حقا جعل الثورة ووضع مصر كلها في مهب الريح. وبرغم هذه التحذيرات التي اطلقها جمع كبير من المستشرفيين- كتابا وساسة ومفكرين وعلماء دين- الا ان المبارزة الكلامية وصلت الي مرحلة غير مبشرة، بل الي صدام ادي الي شرخ كبير في لُحمة ثوار الميدان وايضا امتد الي الشارع ولم يعد هناك الحلم الذي بزغ في ميدان التحرير، وظهر وكأن هناك تحالفا بين الاخوان المسلمين والمجلس العسكري، وتمت الموافقة والمباركة علي الاعلان الدستوري حتي ان بعض قادة الاخوان والتيار السلفي كانوا يدافعون عن استحقاقاته بانه ارادة الشعب وليس لاحد ان يراجعه وهم يعلمون علم اليقين ان اغلب الشعب كما اوضحت سلفا لم يكن يعلم ماذا يحمل هذا الاعلان من متفجرات سوف تنفجر كل منها في وقتها المعلوم. وما حدث قد حدث، بيد اننا الان امام محاولة انقلاب علي الاعلان الدستوري الذي وضعه الاخوان والتيار السلفي موضع القداسة ووجوب التحقيق، وبالرغم من انهم حصدوا الاغلبية في مجلسي الشعب والشوري بهذا الاعلان ومواده، وبرغم كل ما جري خلال العام المنصرم من وقفات احتجاجية ومليونيات ثائرة علي تصرفات المجلس العسكري التي استفزت الشعب في كثير من المواطن ولم تقدم له أي حلول لمشكلاته اليومية المعقدة، الا ان الاخوان كثيرا ما اعرضوا عن المشاركة وتركوا رفاق الثورة يلاقون حتفهم ويواجهون مصائرهم وحدهم في »محمد محمود« وفي »مجلس الوزراء« وكأنهم قد كفوا عن الثورة وارتضوا بالمجلس النيابي وريشة ونعيم الاقامة فيه بديلا عن استكمال الثورة بالشكل اللائق، فيه التحام الشعب بكل اطيافه. وبالرغم من تعاطفي الشديد مع التيار الديني المعتدل ومراهنتي علي صدقه وقدرته علي تحمل مسئولية هذا الوطن في اي وقت، الا انني مندهش من عثرة الاخوان مع اول اختبار حقيقي، وكيف لم ينتبهوا الي حقائق الواقع واحداث التاريخ والتجارب التي عاشوها منذ ان بدأ المرحوم حسن البنا يدرك ضرورة تغليب العمل الدعوي علي اي عمل اخر مهما كان في ذلك طريق الي السلطة الدنيوية التي لا محالة زائلة. وها هي بالفعل تكاد تتصدع الارض من تحت اقدام الجميع وتكاد تعصف بالثورة كلها بسبب اخطاء تافهة، ربما في الرؤية او التطبيق. وها هو الشعب يتعرض لأسوأ مساومات سياسية من قبل الفريقين، فريق يريد الانقلاب علي الاعلان الدستوري قبل انتخابات الرئاسة بأيام، متنكرا لكل موافقاته السابقة ودفاعه المستميت عن المجلس العسكري والحكومة التي اتي بها بعد انهيار حكومة شرف، وفريق آخر يريد ان يخلص حساباته مع المجلس العسكري ولم ينتبه الي ما سوف تؤول اليه الامور اذا قرر المجلس العسكري ترك السلطة فجأة للفراغ او الانقلاب واعلان الاحكام العرفية بذريعة تعرض البلاد للخطر، وهذا الفريق قد نسي تماما وقوفه وحيدا مغدورا به من قبل. ان الاوضاع في مصر لا تحتمل هذه المراهقة السياسية والصراعات التي تحولت من السياسة الي الطائفية والفئوية، وليس هنا مقام المحاسبة او المبارزة، فكلنا سوف يخسر في النهاية لان قواعد اللعبة قامت علي غير اساس، والمؤكد اننا بلد من غير دستور، قادتنا المراوغات والمماحكات والخبرة المحدودة والآفاق الضيقة الي حالة شاذة يندر ان تحدث بعد ثورة عظيمة مثل ثورة يناير، لكننا في خطر داهم وان الصدام محتمل بكل اشكاله، وان بدايته سوف تكون عند اعلان اسم الرئيس، وساعتها سوف تقوم الدنيا ولن تقعد مهما كان اسم الرئيس ومهما كان انتماؤه، ومن المؤكد ان هذا هو الهدف المضمر من تلك الاحداث المؤسفة التي يعرفها منطق »فيها او اخفيها«، وعند ذلك سوف يكتشف الشعب اكثر حقيقة من لا يهمهم أمر مصر واستقرارها وتقدمها قدر ما تهمهم انفسهم، ولعلنا سوف نري العجائب وسوف تأخذنا الريح الي مكان سحيق لو استمر الحال بهذا الشكل.