تلقيت الرسالة التالية من الأستاذ الدكتور حمدي عبدالسميع أستاذ القانون بجامعة بنها: - تحية تقدير واحترام.. وأشكركم علي تناولكم فكرة " دستور71 هو الحل" بمقالتكم أمس، ولكن يا أستاذنا الفاضل أتمني أن يكون دستور17 الأصلي الذي تم وضعه بواسطة الفقيه الدستوري الدكتور إبراهيم درويش ورفاقه المخلصين قبل أن يُهلهل ويُضاف إليه مواد سلطاوية لرئيس الجمهورية وقتها، والذي أصبح ساريا حتي تجميده بعد ثورة 25 يناير. وهذا حل منطقي إنقاذا للوقت الذي داهمنا حيث لم يتبق إلا 17 يوما وتبدأ انتخابات الرئاسة يوم 11مايو القادم للمصريين العاملين بالخارج، ونحن بلا دستور!. ومن قبل تلقيت رسالتين من أستاذين جامعيين الأول في القانون الجنائي، والثاني في القانون الدستوري، في كلية حقوق جامعة المنصورة تضمنتا الكثير من الحقائق عن دستور 1971الذي أوقفنا شرعيته في انتظار الدستور الجديد الذي كلفت لجنة لم تشكل حتي لحظة كتابة هذه السطور بإعداده. قدم الأستاذ الدكتور أحمد لطفي السيد مرعي أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة المنصورة لمقاله الرائع قائلاً: - ليس من الإنصاف أن تلوك ألسنتنا الماضي في اتجاه واحد هو اتجاه اللعن ليل نهار، وألا ننظر إليه إلا بحسبانه الوحل التام الذي لا يمكن أن يوجد بين مكامنه قطمير خير، هذا ما يجب ألا يقع فيه أهل الإنصاف.. ولاسيما إن كانوا ممن يعملون في الحقل القانوني. أكتب هذا الكلام ومعركة الدستور تدور رحاها بين القوي السياسية ويشعرني الاستماع إلي صليل سيوف الفرق في هذه المعركة وكأننا مقبلون علي عملية "خلق من العدم"، وهذا عين الهراء وعدم الانصاف. إن لدينا من التجارب الدستورية ما لم يتوافر في حياة دول أخري، بما فيها الدول التي تعد لكثيرين قبلة الديمقراطية وحقوق الإنسان. يكفيكم فقط النظر إلي هذا المعين الخصب المسمي دستور عام 1971والذي قُذف به لحاجة في نفس يعقوب في أدراج الماضي، ليحل محله "مسخ" أسموه الإعلان الدستوري. بعد هذه المقدمة التي لا خلاف عليها كما أتصوّر انتقل الدكتور أحمد لطفي السيد مرعي ليذكّرنا بدستور 71 المفتري عليه، قائلاً: - إن دستور عام 1971في صيغته الأولي التي استفتي عليها الشعب وصدرت في 11 سبتمبر من ذات العام كان صنيعة لجنة من 80 عضواً من البرلمانيين، ومن فقهاء القانون، ورجال الدين، وأهل الرأي، ودرتهم جميعاً عدد من خيرة الفقهاء الدستوريين في مصر، قبل أن تشوهه التعديلات الخبيثة التي دفع إليها "هتيفة" العهدين الساداتي والمباركي، الذين عرفوا فيما بعد باسم "ترزية القوانين". وذروة سنامه الدستور. ولقد بدأت حركة التشويه تلك بنكسة 22مايو 1980التي وافق عليها المستفتون بنسبة 98.86٪ التي عدل فيها هذا الدستور في عدة مواد، بعضها أفلام: كفيلم المادة الثانية من الدستور واعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وفيلم إنشاء مجلس الشوري، للتغطية علي جريمة المادة 77 التي تمت بإبدال "التاء" إلي "دال" لتسمح بتجديد مدة الرئاسة لأكثر من مدة تالية، ولإبقاء السادات علي كرسي الحكم مؤبداً، وهي ذات الجريمة التي أعيد ارتكابها في 25مايو عام 2005 وبالمناسبة: شهر "مايو" ده.. غريب قوي من الناحية الدستورية ولكن هذه المرة لحساب ابن الرئيس. ومثل التشويه الثاني لهذا الدستور فيما عرف بفضيحة المادة 76، التي وصفها أحد كبار فقهائنا الدستوريين في حينها بأنها: "خطيئة دستورية". ويبدو أن النظام قد استمرأ لعبة التشويه الدستوري تلك فأتي في 26مارس عام 2007بتعديل ثان للمادة ضمن ثلة تعديلات حذف بموجبها الإشارات إلي النظام الاشتراكي للدولة، وتم وضع الأساس الدستوري لقانون الإرهاب - المادة 179 وأنتجت "سينما النظام" فيلم "المواطنة" في المادة الأولي من الدستور. وعن حتمية إبعاد الدستور عن التوازنات السياسية، يؤكد د. مرعي: - إن الحديث الموحي بأسلوب الخلق من العدم، هزل في مقام الجد. إن صناعة الدساتير لابد وأن تعلو فيها قيمة الفقه القانوني والدستوري علي لعبة السياسة المحضة. إن بنيان الدساتير علي توازنات سياسية آنية، سرعان ما تتغير في قابل الأيام، سيجعل من هذه الدساتير نصوصا فارغة من مضمونها.. حيث لم تصنع عن إيمان ومعتقد، وإنما وضعت لهوي ومنفعة محدودة، يصورها "الهتيفة" علي أنها مصلحة الأمة (..). إن فهم الدستور علي أنه صناعة سياسية محضة أمر خطير. والحقيقة أنه يجب ألا يسمح للسياسي بالتدخل في صناعة الدستور إلا بذات القدر الذي يسمح فيه للمريض بأن يتدخل في وصف الدواء من قبل الطبيب. يمكن للمريض أن يغير الدواء الشراب بالكبسولات، لكن لا يسمح له بأن يحدد الدواء الفعال من عدمه. .. وغداً بإذن الله نواصل القراءة في مقال أستاذ القانون د. مرعي.