إذا كان المجلس العسكري يؤكد في كل بياناته انه سيقوم بتسليم السلطة لقوي من الشعب، وإذا كان المجلس العسكري هو الذي حدد تواريخ تسليم السلطة، وإذا كان هذا التاريخ لم يحل موعده بعد، فما معني تحريك مظاهرات مليونية من الآن؟ هل لدي الكتل السياسية فائض من القوة والصحة تحاول استنفاذه قبل نهاية السنة المالية! أم ان المشهد كله عبث.. والغرض منه ان تستمر حالة الارباك السياسي، وإلا ما معني ان تنصرف القوي الإسلامية عن المهمة الأساسية التي انتخبت من اجلها، وهي الاتفاق مع بقية القوي الوطنية علي وضع دستور للبلاد. لكي نتفرغ إلي تحريك كتل بشرية ورفع شعارات ليست لها صفة الاستعجال، فالأولي للقوي الوطنية التي اتجهت إلي التحرير ان تتجه إلي الاتفاق علي وضع دستور يحدد شكل الدولة والحدود الفاصلة بين السلطات، لأنها بدلا من التفرغ لتوجيه الاتهامات للمجلس العسكري بالرغبة في الاستئثار بالسلطة كان عليها ان تتخذ الخطوات المطلوبة لنقل السلطة علي أسس دستورية. لكن البعض يرغب في افتعال مشاجرة وطنية عن طريق عرقلة وضع الدستور والاكتفاء بتوجيه الاتهامات ومحاولة اختلاق نزاع مع المجلس العسكري. ومن الواضح ان تعثرات شديدة قد اصابت فيالق الإسلام السياسي فبعد فضيحة النائب البرلماني بالأمس، انفجرت فضيحة الجنسية لوالدة الشيخ المرشح لانتخابات رئاسة الجمهورية والتي اعقبها سلوك أقل ما يتسم به بأنه هو البلطجة السياسية حينما اصر انصار الشيخ حازم أبوإسماعيل علي التهديد باستخدام القوة لمحاولة فرض المرشح بالمخالفة لإعلان دستوري كانوا وراء خروجه للنور علي هذه الصورة ابتداء من دفع المواطنين إلي الاستفتاء بنعم علي التعديلات الدستورية مرورا علي قبولهم بالاعلان الدستوري دون اعتراض، وما ان اصطدموا بالمادة 82 من الإعلان الدستوري التي أخرجت شيخهم من المنافسة في الانتخابات الرئاسية حتي جددوا استعمال العنف، وعلا صياحهم بالتنديد بهذه المادة التي كانوا وراء خروجها إلي العلن. كذا عادوا إلي ترديد نفس المقولات القديمة التي تزعم وجود مؤامرة اجنبية تترصدهم في كل عطفة أو زقاق وفي كل خطوة، فإذا اضفنا إلي ذلك ان مجلس الشعب الذي اضلته القوي الإسلامية في محاولة منها للسيطرة علي اللجنة التأسيسية لاعداد الدستور قد تمخض فلم يلد وإنما تعثر حمله عن الخروج إلي الدنيا، فها هي اللجنة الدستورية قد فقدت شرعيتها بعد حكم المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، وها هي القوي الوطنية قد انصرفت رافضة السيطرة الاخوانية علي اللجنة مما يجعل المهمة الاساسية لهذا المجلس قد فشلت فشلا ذريعا مما يصنع لها فصائل التيار الإسلامي من مأزق العجز عن الفعل والتناقض بين الأقوال وبين السلوك. والملاحظ هنا ان شعار »الإسلام هو الحل« قد اختفي تماما من أدبيات فصائل الإسلام السياسي ولم يعد احد منهم يتذكره، بما يعني انه كان شعارا استخدمه هذا التيار بشكل عارض وتوقف لكي يحصل به علي أصوات الناخبين ثم يطرح الشعار جانبا بعد ان انقضت مهمته. ومع تواتر الفشل والتعثر أمام هذا التيار لم يعد أمامه إلا ان يتحرك في مليونات زاعقة يغطي بها عجزه من الفعل وتناقضه في السلوك وخيبة أمل الناخبين به، فلم يعد أمامه إلا ان »يضرب الكرسي في الكلوب« لكي يظلم الفرح، ولن يخرجه من هذا المأزق إلا ان يشعل حربا أهلية تأكل هذا البلد، لا لشيء إلا انه لا يمتلك الشجاعة علي مواجهة الذات والاعتراف بأن رصيده من الخبرة السياسية ومن الطهارة الثورية لم يكن إلا جعجعة لا طحن منها، وشعارات يرددها دون ان يمتلك لها مضمونا. ان أي محاولة لوضع دستور يتحيز إلي فئة أو يستغل القلق العام الباحث عن الاستقرار لكي يضع بصماته علي دستور ليحكم اجيالا قادمة لطوائف متعددة وعقائد متعددة، إنما هو يلعب بالنار ويسعي إلي تفتيت المنظومة الوطنية، وفي هذا الإطار سوف يتعامل مع مليونية الجمعة الماضية التي حشدت الناس حشدا تحت شعار استرداد وتسليم السلطة من المجلس العسكري إلي سلطة مدنية، بينما هدفها الأساسي هو استغلال الحرارة الثورية والسخط العام علي الفترة الانتقالية لكي يقذف بنا مرة أخري في جحيم الحكم الشمولي. فإذا كنا استطعنا انجاز ثورتنا دون ان نقع في حرب أهلية، فان تحريك الآلاف بالشكل الذي تم أول أمس الجمعة هو لعب بالنار ودفع للاحداث إلي صدام أفلتنا منه سابقا وندعو الله إلي ان يحرس ثورتنا من ان نقع فيه الآن. اننا لا نملك ترف اهدار الوقت والطاقة في مليونيات تتحدي المصالح الوطنية وتتحدي القيم الديمقراطية، وتريد ان تستأثر بالسلطة، وان نقصي بقية الجماعة الوطنية، فلينتبه كل من ينزل إلي ميدان التحرير أو يفكر في النزول إلي ميدان التحرير وليسأل نفسه هل هذا الحشد في صالح المسيرة الوطنية أم انه ضد المصلحة الوطنية؟ اننا نطالب الجماعة الوطنية ان تنظر بعين المسئولية إلي قضايانا الوطنية وأوجاعنا الاقتصادية وان تسارع في انجاز قضية الدستور علي أسباب وأسس توافقية لا يغتر أحد فيها بقوته، ولا ينسي أن هناك اقليات دينية وان هناك طبقات اجتماعية مثل العمال والفلاحين الحقيقيين فعلا الذين إذا أمكن خداعهم اليوم بشعارات تحمل معني الحرية والعدالة، فانه سريعا، ستكتشف تلك الطبقات انها لم تحصل علي الحرية ولم تتحقق لها العدالة! هذا هو الحصاد أمامنا لا تخطئه إلا من كانت عيناه رمداء تظهر علي جبهته السياسية، وصراخا لا هدف له وفشل في جميع القوي الوطنية والاتفاق علي دستور تتأسس عليه معالم الدولة، ثم مليونية تصرخ متهمة العسكر بأنهم لا ينوون تسليم السلطة، وذلك ليس أكثر من تغطية الفشل السياسي الذي وصم تحركاتهم طوال الفترة التي احتلوا فيها صدارة المشهد.