كانت مقالتي السابقة نداء للمصريين لإنقاذ أنفسهم من مصير كارثي نتيجة لنقص حاد متوقع في مياه النيل. إذا كانت المقالة السابقة تحمل روح التشاؤم، فهذا لا يعني أنه ليس هناك أمل. ذكرت في نهاية المقالة بعض الحلول التي تفتح باب الأمل. واليوم أحاول أن أزيد هذا الباب اتساعا بفضل زميلي في مجلس علوم البيئة بأكاديمية البحث العلمي الأستاذ الدكتور علي إبراهيم بلتاجي. قدم لنا دراسته العلمية القيمة عن توليد الكهرباء والحصول علي ماء نقي باستخدام الطاقة الشمسية. لم أذكر في مقالتي إحدي نتائج كارثة نقص المياه في مصر، وهي تأثيرها السلبي علي توليد الكهرباء. لذا فإن إنقاذ مصر من كارثة نقص الماء يعني أيضا إمكانيات جديدة لتوليد الكهرباء. وتخيلوا لو حدثت أزمة نقص حادة في الماء والكهرباء ؟! من هنا تكتسب دراسة الدكتور بلتاجي العلمية أهميتها القصوي. وهي دراسة تقوم علي فكرة مبتكرة لم نهتم بها من قبل لا علي المستوي الإعلامي ولا العلمي ولا العملي، وهي فكرة إنشاء " برك شمسية " لتوليد الطاقة. وليست محطات الطاقة الشمسية المعروفة. فيما يلي تلخيص أرجو أن يكون جيدا للدراسة : من المعروف أن مساحة مصر تبلغ مليون كيلومتر مربع، المستغل منها لا يتجاوز 7٪. تستقبل مصر أشعة الشمس بمعدل 320 يوما في السنة علي 93٪ من مساحتها. يتلقي متر المربع ما بين 4-5 كيلووات من الطاقة في اليوم علي معظم هذه المساحة. تمثل البحار 70٪ من مساحة الكرة الأرضية، وتستقبل 70٪ من الطاقة الشمسية. تخزن الطاقة في البحار في عمود الماء الممتد الي أعماق كبيرة، ولكن يتم امتصاص معظم هذه الطاقة في عشرات الأمتار فقط قرب السطح، بينما المناطق العميقة لا تستقبل شيئا منها. الفرق في مناطق عدة بين السطح والمياه عند عمق 1000 متر هو 25 درجة مئوية. هذا الفرق في درجة الحرارة يمكن استخدامه في توليد الكهرباء. بدأ في عام 2010 بناء مشروع لتوليد الكهرباء بقدرة 50 ميجاوات في جزر هاواي. لا توجد مثل هذه الفروقات الكبيرة في حرارة مياه البحار المصرية. إنما يمكننا استخدام الصحراء الشاسعة في هذا الغرض. عن طريق إيجاد هذا الاختلاف الرأسي في عمود الماء صناعيا فيما يعرف بالبرك الشمسية. وهي مستخدمة في دول مجاورة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه. تتلخص فكرة البرك الشمسية في حفر مساحة مناسبة في الأرض الصحراوية بعمق 5 أمتار وتزاد كمية الأملاح في المنطقة بارتفاع 2.5 متر تقريبا من القاع. ثم تكون هناك طبقة أخري أقل ملوحة في المنطقة المتبقية. يتم الحفاظ علي هذه الطبقات عن طريق دفع مياه في السطح لتعادل الفقد الناتج عن البخر. تمتص الطاقة الضوئية في النصف متر الأول بمعدل 50٪ وتصل الي الطبقة السفلي حوالي 30-20 ٪من الطاقة مما يرفع درجة حرارة مياه القاع، ولأنها معزولة بالطبقة العليا ومعزولة عند القاع. فإن درجة حرارتها ترتفع الي ما يقرب من 90 الي 95 درجة مئوية مما يحدث فرقا حراريا بين الطبقة السطحية والقاع يصل الي ما يقرب من 60 الي 65 درجة. وهو ما يمكن استغلاله في توليد الكهرباء وتحلية المياه. تشرح الدراسة اعتبارات بناء البركة الشمسية في الصحراء وشكلها ومساحتها ومصادرها وطريقة استخلاص الحرارة من المياه وتحويلها إلي كهرباء وهي أمور فنية متخصصة. لكن ما يهمنا هنا هو اقتصاديات البركة. فتذكر الدراسة أنها تحتاج إلي استثمار كبير نسبيا عند إنشائها فقط، أما بعد ذلك فلا تحتاج سوي لصيانة وعمالة وقطع غيار وكلها بسيطة بالنسبة لتكاليف الإنشاء. وهي في جميع الأحوال أقل تكلفة بكثير من توليد الكهرباء بالخلايا أو المرايا الشمسية. بل وجد أن تكلفة الكهرباء الناتجة من البرك الشمسية أقل من المصادر الأخري مثل الوقود الأحفوري أو المواد البترولية. وفي حالة وجود مصادر أملاح قريبة أو في البركة ذاتها فإن التكلفة سوف تقل إلي النصف تقريبا. والتقدم العلمي سيقلل أيضا من هذه التكاليف . تعادل الطاقة المولدة من البرك الشمسية تقريبا تلك الناشئة عن المحطات التي تستخدم الديزل. هناك العديد من البرك الشمسية التي يمكنها أن تولد طاقة كهربائية بقدرة 150 ميجاوات /ساعة وتستخدم في تحلية المياه والإنارة. لذلك فإن هذه الطريقة يمكن استخدامها لخلق مجتمعات عمرانية وسط الصحاري المصرية الشاسعة وبتكلفة أقل بكثير . يري الدكتور علي إبراهيم بلتاجي أن مصر تحتاج الي الطاقة الكهربائية بصورة ملحة ولكن البدائل لم تدرس بصورة متكاملة .وفي هذا الصدد فإنه يضيف إلي هذه البدائل : إنشاء القناة التي كانت مقدرة لمشروع منخفض القطارة بطول من 70 -140 كم حسب المسار المختار لها. إنشاء محطة نووية في المسافة المتوسطة علي هذه القناة حيث أن إقامتها علي البحر ليس شرطا. (رأيي الشخصي معروف ومنشور هنا من قبل وهو أنني ضد المحطات النووية). إنشاء عدد من البرك الشمسية علي مسار القناة حتي منخفض القطارة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه. استثمار (أو بيع) الأرض المخصصة التي تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الجنيهات لتمويل هذه المشروعات. وفي هذا الشأن فإننا سوف نحصل علي: - طاقة كهربائية من مصادر مائية كما كان مخططا له في مشروع منخفض القطارة - طاقة كهربائية من المحطة النووية - طاقة كهربائية من البرك الشمسية - إقامة مجتمعات عمرانية علي طول القناة باستخدام تقنيات تحلية المياه باستخدام الطاقة الحرارية من البرك الشمسية. فضلا عن كل ذلك، إذا أخذنا في الاعتبار برأي أ. د. خالد عودة، فإن إنشاء مثل هذه القناة سوف يقلل من تأثير ارتفاع مستوي سطح البحر.