من الطبيعي ان يحظي حكم مجلس الدولة ببطلان عقد مدينتي بهذا الاهتمام الواسع من وسائل الاعلام ومن الرأي العام علي ضوء ارتباطه بمصالح مئات الآلاف من المواطنين الذين دفع غالبيتهم تحويشة العمر لشراء وحدات المشروع السكنية. ولا يمكن لاحد ان يزعم ان هذا الحكم الذي تم تداول قضيته لشهور لم يخضع للبحث والتمحيص اعتبارا لخطورة وأهمية ما يترتب عليه فيما يتعلق بعمليات التصرف في املاك الدولة. وكما هو معلن فإن الحكم استند الي مخالفة اجرائية تتمثل في عدم الالتزام بما يقضي به قانون المناقصات والمزايدات الذي كان يجب ان يطبق علي ارض المشروع. ان مسئولية هذا الخطأ لا تتحمله شركة طلعت مصطفي وانما تتحمله في المقام الاول وزارة الاسكان وأجهزتها القانونية والفنية. كان يجب علي هذه الاجهزة ان تعترض علي ابرام العقد وتوجه الذين وقفوا وراءه الي الطريق السليم التزاما بالقانون حفاظا علي حقوق المتعاقدين والمنتفعين. ليس من تفسير لما جري سوي ان هناك نزعة غير سوية من جانب المسئولين الذين مرروا هذا العقد اما باعتبار انفسهم فوق اي قانون او أنهم جهلاء بهذا القانون وهو ما يجعلنا نقول ان الوضع في كلتا الحالتين يمثل مصيبة. كما هو معروف فإن مثل هذه العقود كان لابد وان تمر علي اجهزة مجلس الدولة لمراجعتها. ان معني هذا انه قد جري التغاضي عن هذه الخطوة حيث انه لم يكن من المعقول ان يوافق مجلس الدولة علي العقد لتقوم بعد ذلك اجهزته القضائية بأبطاله!! من ناحية اخري واذا كانت هذه الخطوة لم تتم فإننا نعلم جميعا ان في كل وزارة مستشارا قانونيا منتدبا خاصة من مجلس الدولة بدرجة نائب رئيس المجلس تُسند إليه مسئولية المراجعة القانونية لمثل هذه العقود. في هذا الاطار وعلي ضوء ملابسات اقرار هذا العقد وإنهاء اجراءاته وما تلا ذلك من السماح للشركة المتعاقدة بالاعلان عنه للجميع والتعاقد مع المنتفعين ثم البدء في التنفيذ لدرجة تجهيز بعض المراحل للاستلام.. لابد ان نُقر بأن ذلك ما كان يمكن أن يتم دون وجود ظروف قهرية تساندها قوة نفوذ غير طبيعية اعمت العيون وكممت الافواه كي لا يتم تفعيل القانون. وليس جديدا القول ان تقدم الامم وسلوكها الحضاري مرتبط دوما باحترام القوانين وتطبيقها علي الجميع بلا استثناء مع توافر الشجاعة اللازمة في حالة بروز أي خطأ للمطالبة بالتعديل تحقيقا للصالح العام. ان الالتزام بالقانون لا علاقة له بالتعقيدات البيروقراطية وإنما هو امر ضروري وحتمي لضمان وجود قاعدة ثابتة للعدالة والمساواة في التعامل. لا جدال ان منطوق حكم مجلس الدولة النهائي في قضية عقد »مدينتي« قد اشاع قلقا وهلعا ليس في اوساط المنتفعين وإنما في اوساط المال والاستثمار .. من هنا فإنه من الواجب ان يكون هناك تحرك مدروس من الاجهزة المعنية في الدولة من اجل المعالجة وتحقيق الاستقرار وعلي اساس ان يتم ذلك في اطار قانوني يساهم في تجنب ما حدث وما سوف يحدث مستقبلا. ان مثل هذه الاحداث الكارثية لا بد وان تكون درسا لكل الاطراف الذين عليهم ان يؤمنون بالقول المأثور: تقدرون وتضحك الاقدار.