الآن نتحول الي الميراث الزيتوني، ونلمح في هذا الميراث خمسة ملامح اساسية مرتبطة بالقابلية للتنوير: اولاها، عندما فتح المسلمون مدينة تونس سنة 698 ميلاديه اقتضت الحاجة لبناء مسجد للصلاة ونشر الدين الإسلامي بين أهالي تونس، فبُني أول مسجد فيها بهمة الشيخ الأمين حسان بن النعمان الغساني ، وسُمي الجامع بهذا الاسم لكثرة أشجار الزيتون المحيطة به عند بنائه. وفي سنة 732 ميلاديه قام والي أفريقية الأمير عبيد اللّه بن الحبحاب بتوسعة وإعمار الجامع . انتدب الخليفة عمر بن عبد العزيز ، الملقب بالخليفة الخامس عند البعض، إبّان خلافته عشرة فقهاء من التّابعين وابتعثهم إلي إفريقية تونس ليعلّموا البربر سكانها الأصليّين أحكام دينهم واللّسان العربيّ. وكان نقيبَ هذه البعثة العلميّة أبو عبد الرّحمن عبد اللّه الحبلي وكان من بين أعضائها أبو الجهم عبد الرّحمن أبو رافع التّنوحي وهو أوّل من ولي القضاء بالقيروان. ومنذ ذلك الوقت بدأت رحلات طلاب العلم إلي الشرق لتنهل من منابع العلوم والمعارف. ولقد كان من هؤلاء الراحلين في طلب العلم عبد الرّحمن بن زياد المعافريّ الذي عاد إلي القيروان بعلم غزير وأدب عال فتولّي قضاء القيروان. كما رحل جمع من الطّلاب إلي المشرق فلقوا مالك بن أنس وتأثروا به، ورجعوا كفقهاء، وكان منهم علي بن زياد، وعبد اللّه بن غانم، وأسد بن الفرات فاتح صقليّة ثم كان الامام سحنون الذي نشر العلم في البلاد فأخذ عنه أبو سعيد البرادعي، وحماس بن رمضان الهمذانيّ. في عبارة اولي، نما عند فقهاء تونس الاوائل مفهوم " اسلام الامصار"، والذي يعني تكيف تعاليم الاسلام في بيئة غير بيئة نشأته الاصلية، الامر الذي طبع علي التوجة الزيتوني طابع التجديد المعرفي والمذهبي ، ولكن هذا لا يعني ان مسيرة التجديد التونسية لم تكن فيها فترات تراجع وانكفاء، ولكن هذه الفترات لم تكن طويلة تاريخيا بل وخلق تجاوزها جدلية مجال وحدود التنوير بتونس ، ثانيا، تعتبر أقدم جامعة عربيّة إسلاميّة استمرت تؤدي دورها قرابة ثلاثة عشر قرنا متتالية دون انقطاع يذكر. فقد أكد المؤرخ حسن حسني عبد الوهّاب، بقوله:" إنّ جامع الزيتونة هو أسبق المعاهد التعليميّة للعروبة مولدا وأقدمها في التاريخ عهدا". أسست الزيتونة كجامعة اسلامية بالمعني العلمي وتخرج منها أعلام في الاجتهاد المستنير منهم كما ذكرنا من قبل الشيخ سالم بوحاجب، والشيخ محمد بيرم الخامس، والشيخ محمود قبادو، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور صاحب تفسير "التحرير والتنوير". ومن الجامعة الزيتونية تخرّج آلاف العلماء منهم: العالم محمد بن عبد السلام الهواري، والفقيه المفسّر والمحدث محمد بن عرفة التونسي صاحب المصنفات العديدة، والقائد أسد ابن الفرات، والمؤرخ ابن خلدون صاحب المقدمة والتاريخ. ويستمر التحليل.