لاشك اننا نتفق حول الطبائع النوعية للثوابت الكبري في تاريخ الأمة بما يقتضي ترسيخها في نفوس الأجيال ضمن تأصيل ثقافة التواصل والانتماء، ومع الوقاية من أزمة الانقطاع المعرفي، أو انتشار ثقافة الجحود والنكران بما لها من تداعيات سالبة. لعل هذا المطلب يتحقق من خلال انجازات الرسالة الاعلامية بكل صورها وآلياتها نحو اعادة قراءة المفاهيم والمصطلحات التي طالما ادارها التاريخ والمؤرخون حول ثورة يوليو المجيدة، وكيف عبرت بالبسطاء والفقراء إلي شاطيء الامان، كما عبرت بأبنائهم من خلال مجانية التعليم وجودته معا حتي صعدوا وتباروا وتنافسوا وارتقي الكثيرون منهم عبر مناصب قيادية عليا فأجادوا وأحسنوا وتفوقوا ونبغوا وتقدموا. لعل هذا يظل الرابط القوي بين ثقافة جيل تلك الثورة وقد توقد حماسا وحيوية وطموحا وأملا في صناعة مستقبل أفضل، حيث التف الجميع حول أكثر من مشروع وطني بدءا من مقاومة المؤامرت الأجنبية والعدوان علي مقدرات الوطن وانتهاء عند منطق التحدي وتأكيد القدرة علي الانجاز من خلال أبناء الوطن كما حدث في مشروع السد العالي نموذجا علي سبيل المثال فحسب. ما بين ثقافة جيل يوليو وثقافة جيل أكتوبر مشابه كبري تحكي فصولا من قصة النجاح الكبري التي بلغت بها الأمة غاياتها من خلال عبقرية منهج العبور العظيم الذي طالما سجل الكثير من ثقافات الايمان وصدق المواطنة مع الإرادة والصبر والعزيمة، وهو حقق للأمة كلها خيرا وثروة حتي أفادت من حرب أكتوبر المجيدة كل دول النفط العربي حتي عاشت في رغد من العيش بمقتضي تداعيات ذلك النصر الذي احرزه الجندي المصري منذ عبر القناة وتجاوز الحاجز المائي، واخترق كل الحواجز النفسية، وحطم اسطورة بارليف، ودمر مفهوم الجيش الذي لا يقهر، وأوقعه في شباك الهزيمة والقهر الحقيقي منذ الضربة الجوية الأولي التي افقدته توازنه.. تعميق هذه الثقافات في نفوس الناشئة ضرورة للرهان علي مواجهة تحديات المرحلة ووضوح رؤي المستقبل، مع تعميق ضروري لثقافة الثقة في الوطن بثوابته ومتغيراته المستجدة علي السواء، بقدر ثقافة الثقة في قدرة المواطن المصري علي تحقيق أكثر من عبور نفسي ومعنوي يتجاوز به ثقافة الاحباط والتيئيس التي يحاول البعض بثها بما لا يفيد الأمة بحال بقدر ما يمثله من ضرر جسيم علي سلامة مسيرتها التاريخية. ثقافة العبور إلي المستقبل بآليات وأدوات أفضل هي الحاكمة لمسيرة التقدم التي ظهرت نتائجها في حصاد ثورة يوليو بقياس ملابساتها التاريخية، ثم ظهرت نتائجها العليا في ثقافة أكتوبر اتساقا مع متطلب الفترة وايقاع المرحلة.. وبين الثقافتين كانت مساحات من المعاناة والألم مدخلا إلي مقاومة المشروع الاستعماري تارة في فترة العدوان الثلاثي، واخري في نكسة يونيو 7691.. ومع هذا كله ظلت ثقافة الموجب عبر الأمل والطموح تداعب هذا الشعب الصبور حتي تحقق له ذلك الانجاز الوطني الرائع بعد طول المعاناة والتحمل.. لعل المرحلة تقتضي تأصيل المشروع الوطني المرحلي والمستقبلي حول العبور من خلال بوابة العلم والبحث والمعرفة باعتباره مؤشرا من مؤشرات نجاح الأمة من خلال شبابها الذين يرتهن بهم الأمل في استعادة جودة التعليم بآليات عصرية، واثرائه عبر معرفية متجددة تطرحها عطاءات تكنولوجيا العصر مع تقدم ثورة الاتصالات كل يوم.. ومع الجودة نجاحات مرتقبة في تحقيق التنافسية والتأهيل لسوق العمل بالشكل المناسب، وكلها مرتبطة بتلك الثقافات المؤسسة للاجيال الجديدة بناء علي اعادة قراءة ثورة يوليو وثقافة عبور أكتوبر بعيدا عن اية مغالطات تاريخية، أو مزايدات، أو تلاعب بعقول الأجيال ووجدانها، فالنشء في حاجة إلي تعميق قراءة تاريخ البطولات وسير الفرسان الذين طالما التفت حولهم الأمة كلما ضاقت الأمور فتحقق لها الانجاز علي يديه.. والنشء في حاجة إلي الحصانة الثقافية ضد منطق التآمر في عصر السماوات المفتوحة بما يخلصه من مفاهيم الانبطاح أو التبعية أو الضعف أو الضياع أو الاستكانة إلي حيث تكون ثقافة التفتح والتمكن والثقة والقدرة علي العطاء ومواجهة التحديات.. وهذا هو الرهان الحقيقي علي نجاح الرسالة الاعلامية والتعليمية والتربوية في ترسيخ تلك المفاهيم والقيم لتشكيل جيل قوي يتفاعل بشكل منهجي مع مقدرات الوطن إلي حيث يكون التقدم والرخاء.