من حق كل يتيم أن يعرف حكاية هذه المرأة التي رفع الله ذكرها، ومن حق هذه المرأة وأمثالها أن ننحني احتراماً وإجلالاً لمسلكهن وصنيعهن الذي يندر أن يتكرر في تاريخنا المعاصر. ما أصعب الاختيار حينما يكون بين خير خلق الله كلهم وأفضل من عرفت البشرية وهو الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم وبين أطفال صغار تيتموا مبكراً وفي أشد الحاجة لدفء الأمومة ورعايتها. فالحكاية باختصار أن رسول الله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام تقدم للزواج من ابنة عمه أم هانئ بنت أبي طالب بعد وفاة زوجها، فقالت له: الله يعلم أنك أحب إليَّ من سمعي وبصري، ولكنني امرأة مؤتمة - تعول يتامي - وأولادي صغار، وأخشي أن أنشغل بك عنهم، وأخشي أن أنشغل بهم عنك، فاحترم الحبيب المصطفي صنيعها وقدر رأيها وموقفها، لأنه تقدم للزواج منها لتكون هي وأولادها في رعايته وفي كنفه وفاء لأبيها وأخوتها الذين دافعوا عن الرسول وضحوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل دعوته. ما أعظمك يا من أكدت لنا عملياً علي حق المرأة في اختيار الزوج حتي ولو كان المتقدم للزواج منها هو خاتم الرسل والأنبياء وقائد الأمة الإسلامية جمعاء. وحتي لا يزايد مثيرو الشبهات الذين يزعمون أن هناك فروقاً شاسعة بين موقف الإسلام من المرأة وبين التطبيق العملي لذلك في التاريخ الإسلامي ينبغي علينا أن نتتبع مثل هذه المواقف للمرأة عبر مختلف العصور حيث يروي أن النبي صلي الله عليه وسلم رد نكاح امرأة اسمها الخنساء بنت حرام الأنصارية زوجها أبوها من غير إذنها. أرجو من واضعي المناهج التعليمية أن يهتموا بهذه المواقف والحكايات بدلاً من العبارات الإنشائية الجوفاء التي لا تجذب التلاميذ لدراسة سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم.