أخيرا نجحت وزارة السياحة في معرفة الطريق السليم للترويج للسياحة المصرية. الترويج كما هو معروف يعتمد علي الاعلان.. والاعلان له قواعد وشروط وهو في الاصل يعتمد علي الموهبة.. في مصر يدرس جميع الطلاب في جميع كليات الاعلام أصول الاعلان.. وكانت مصر منذ افتتاح التليفزيون المصري في الستينيات رائدة في هذا المجال فقد كان لدينا جيل موهوب رائع من معدي الاعلان أو ان شئت فقل من الاعلانيين.. هذا الجيل انحسر بل أكاد أقول اختفي واصبحت الاعلانات التي يتم اعدادها في التليفزيون المصري كئيبة ومفتعلة ولا يعرف معدوها أبسط قواعد اعداد الاعلان الذي يعتمد علي التشويق والاختصار والمعرفة الكاملة بنفسية المشاهد وكيفية جذبه ومعرفة الطريق الي قلبه وعقله وجيبه بعد ذلك.. هذه الريادة التي كانت مصرية والتي تهاوت لتصل الي مستويات متدنية للغاية انتقلت هذه الريادة إلي الفضائيات ولكي اكون منصفا الي بعض الفضائيات.. لقد نجحت هذه الفضائيات في بيع السياحة التركية لملايين السياح العرب والأجانب.. ثم انتقلت بعد ذلك لبيع السياحة الأردنية ببراعة منقطعة النظير الي ملايين أخري وقد نجحت مصر كما قلت في البداية مرحليا في معرفة الطريق الي هذه الفضائيات وبدأت بالفعل في عرض اعلانات عن السياحة المصرية باسلوب متميز وجاذب ولكن هناك بعض الأخطاء لا ألوم عليها الذين اعدوا هذه الاعلانات ولكني ألوم عليها وبشدة المسئولين في قطاع السياحة الذين زودوا المعدين بالمادة الخام المطلوب التركيز عليها.. في احد هذه الاعلانات عن مصر جاءت لقطتان.. لقطة للرقص الشرقي ولقطة لرقصة التنورة، اللقطتان تمثلان خطأ فاحشا يجب ألا يلحق بمصر.. فالبعض يتصور خطأ ان هز البطن أو الرقص الشرقي أو رقص الغوازي الذي كان منتشرا في عصر ما في شارع محمد علي هو فن مصري، هذا الخطأ يجب تصحيحه.. فهذا النوع من الرقص ليس مصريا.. لم ينشأ مصريا ولم يرتبط بأي عصر من عصور التاريخ المصري.. الرقص المصري المعروف والثابت تاريخيا هو الرقص الفرعوني وكان رقصا دينيا ايقاعيا محترما والرقص البدوي الذي تعرفه البوادي المصرية سواء في سيناء أو الصحراء الغربية وهو رقص حماسي هدفه بث روح الشجاعة والاقدام والدفاع عن المرأة.. الرقص العاري الذي اصطلح علي تسميته ب »البيلي دانس« هو في الاصل رقص تركي.. نشأ في قصور السلاطين الاتراك خلال ليالي الانس التي كثرت وتعددت في أيام السلاطين الأواخر ثم انتقل هذا ا لرقص الي مصر مع المماليك الاتراك الذين حكموا مصر مئات السنين والذين اشتروا الجواري التركيات والشركسيات والالبانيات وكانوا يدفعون ثمنا باهظا لشراء من تجيد هذا الرقص منهن وحولوا قصورهم ولياليهم الي ما يشبه قصور وليالي سلاطين الاستانة.. فهذا النوع من الرقص تركي منشأ وممارسة وتاريخا وليس مصريا بحال من الأحوال وان كان قد تسلل لبعض المصريات بعد ذلك واتخذن منه حرفة. الأمر الثاني هو رقصة التنورة.. هذه الرقصة لم يكن لها أي وجود في مصر قبل الستينيات من هذا القرن ثم فجأة بدأت تظهر في بعض الموالد ثم انتشرت وتطورت والصقت بمصر أو حاول البعض الصاقها بمصر. هذه الرقصة وهي رقصة لا معني لها ولا فن فيها كانت رقصة ابتكرتها طائفة تركية متصوفة هم المولوية وهم مازالوا موجودين حتي الآن وكان الهدف منها هو ادخال المريد في شبه غيبوبة حتي لا يعود يشعر بالدنيا وانما يندمج اندماجا كليا في حالة الجذب الصوفي.. تسللت هذه الرقصة الي مصر وتحولت التنورة التي يلبسها المولوي الي تنورة ملونة واصبحت تتكون من أكثر من طبقة.. الرقص الشرقي ورقصة التنورة اذن ليسا مصريين ومن العيب ان نضعهما في اعلان يروج للسياحة المصرية.. واذا كانت المشكلة في المادة فهناك الكثير مما تزخر به مصر مما له اصول تاريخية ومما له معني محترم. ولله الأمر