تنسيق المرحلة الأولى 2025.. قرار من التعليم العالي بشأن تقليل الاغتراب    برلماني: المشاركة في انتخابات الشيوخ واجب وطني ورسالة لوحدة الصف    تجهيز 476 لجنة انتخابية ل«الشيوخ».. 12 مرشحا يتنافسون على 5 مقاعد فردي بالمنيا    بعد تأكيد الحكومة تجاوز الأزمة.. هل الأسعار في طريقها للانخفاض؟    الري: تنفيذ 87% من قناطر ديروط الجديدة.. وفتح بوابات قنطرة الإبراهيمية    في يوم حقلي بالبحيرة.. "الزراعة" تقدم هجن طماطم مصرية جديدة بإنتاجية عالية    عائلات المحتجزين الإسرائيليين تطالب حكومة نتنياهو بوقف «الجنون» في غزة    عبد المنعم سعيد عن منظمي الوقفات الاحتجاجية أمام سفارة مصر بتل أبيب: لا يستحقون عناء الرد    حكومة غزة: 73 شاحنة مساعدات دخلت القطاع يوم الجمعة ونهبت أغلبها    نقابة الموسيقيين تعلن دعمها الكامل للقيادة السياسية وتدين حملات التشويه ضد مصر    تفاؤل في لوس أنجلوس بإتمام صفقة سون    بدون ربيعة.. العين الإماراتي يهزم إلتشي الإسباني وديا    استقبال رسمي لبعثة التجديف بعد التألق في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    مهدد بالحبس.. القصة الكاملة لاتهام أشرف حكيمي بالاغتصاب خلال889 يوما    وزير الشباب والرياضة يفتتح ملعبًا بمركز شباب المعمورة - صور    انفاتينو يقضي إجازته في العلمين.. ومدبولي يهاتفه    إصابة 5 أشخاص إثر حادث انقلاب سيارة ميكروباص في الشرقية    تراجع منخفض الهند «عملاق الصيف».. بيان مهم بشأن حالة الطقس الأسبوع الجاري    إصابة 9 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص بالشرقية    حكم بعدم دستورية قرار وزاري بإنهاء عقود الوكالة التجارية لمجاوزته حدود القانون    حفل أسطوري .. عمرو دياب يحقق أعلى حضور جماهيري في مهرجان العلمين    نادية مصطفى تنعي محمود علي سليمان: رحل صاحب السيرة الطيبة والخلق الرفيع    ريستارت يصعد للمركز الرابع في شباك التذاكر.. والمشروع X يتراجع للمركز الخامس    وفاء عامر تنفي سفرها للخارج: أنا داخل مصر وأثق في نزاهة القضاء    رئيس جامعة بنها يصدر قرارات وتكليفات جديدة في وحدات ومراكز الجامعة    من الطور إلى نويبع.. عروض فنية ومواهب طفولية تضيء جنوب سيناء (صور)    لا تتسرع في الرد والتوقيع.. حظ برج الجوزاء في أغسطس 2025    أفضل أدعية جلب الرزق وقضاء الديون وفقًا للكتاب والسنة    ما حكم الدعاء داخل الصلاة بقضاء حاجة دنيوية وهل تبطل الصلاة بذلك؟.. الإفتاء تجيب    صلاة الأوابين.. الأزهر للفتوى يوضح أهم أحكام صلاة الضحى    الصحة: فحص 18.4 مليون مواطن ضمن مبادرة الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    الصحة تُطلق منصة تفاعلية رقمية بمستشفيات أمانة المراكز الطبية المتخصصة    ولادة طفل من جنين مجمد منذ 30 عاما|القصة الكاملة    3 مستشفيات تعليمية تحصد جوائز التميز من المنظمة العالمية للسكتة الدماغية    استجابة ل1190 استغاثة... رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر يوليو 2025    طعنة غادرة أنهت حياته.. مقتل نجار دفاعًا عن ابنتيه في كفر الشيخ    النقل: استمرار تلقي طلبات تأهيل سائقي الأتوبيسات والنقل الثقيل    «الخارجية الفلسطينية» تحذر من دعوات تحريضية لاقتحام واسع للمسجد الأقصى غدا    الاستعلامات: 86 مؤسسة إعلامية عالمية تشارك في تغطية انتخابات الشيوخ 2025    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب قبالة سواحل مدينة كوشيرو اليابانية    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    تعرف على أسعار اللحوم اليوم السبت 2 أغسطس 2025    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    «خدوا بالكم منه».. إعلان عودة معلول ل الصفاقسي يهز مشاعر جماهير الأهلي    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرة إلي المستقبل
تجريف الثقافة المصرية المعاصرة!
نشر في الأخبار يوم 12 - 07 - 2010

يموت الناس فرادي، ونشعر بموتهم أيضا فرادي. لكن عندما ينظر الحي منا إلي من تركوه في مسيرة حياته يشعر لأول مرة بوطأة الفقد. يمكن لموت فرد واحد أن يشعر المرء بفقدان الجميع. فكما نقول عن واحد رحل أنه كان لنا بمثابة الأهل والأصدقاء. أي أن فقد واحد يمكن أن يمثل فقد الجميع. فما بالنا وأن من فقدناهم يمثل كل واحد منهم الجميع؟
إنها كارثة. بدأت أشعر بها بعد وفاة نصر حامد أبو زيد المباغتة. لم تكن مقالة الأسبوع الماضي قد نشرت، إلا ونشر خبر وفاة نصر. كانت مقالة الأسبوع الماضي عن وفاة محمد عفيفي مطر. قبل عفيفي كانت وفاة فاروق عبد القادر، ويتلاحق نعيق الموت فلا يترك للكاتب فرصة لاستيعاب من فقدهم.
لا أريد لهذه المساحة أن تكون صفحة للوفيات. فماذا أفعل في ملاحقة الموت لنا؟
هذه الملاحقة جعلتني أسرح بذاكرتي محاولا تذكر من فقدناهم خلال عام واحد فقط، فوجدتهم كثر. هذه ظاهرة غريبة. الموت علينا حق كما يقال. لكن أن تتهاوي أوراق شجرة واحدة علي الأرض بمثل ما حدث خلال عام حتي أوشكت الشجرة أن تكون جرداء تماما، فهذه ظاهرة أتصور أنها غير عادية. لا يكفي لتفسيرها قدر الموت، وتحتاج معه إلي تأمل الواقع.
من فقدناهم خلال عام ليسوا من عوام الناس ، بل هم خلاصة روح هذا الشعب : عقله ووجدانه. أعني كتابه وفنانيه . مفكريه ومبدعيه. لن أستطيع أن أتذكر جميع من فقدانهم خلال تلك الفترة من الكتاب والأدباء والفنانين. لكن من تذكرتهم يكفون للإحساس بحجم الكارثة. إنه تجريف لثقافة مصر المعاصرة، بل تجريف للثقافة العربية بشكل عام. فلم يكن فقداؤنا مبدعين مصريين فقط، بل هم مبدعون لثقافة عربية خالصة.
تذكر مثلا أسماء من ماتوا خلال أقل من الشهر ونصف الشهر الأخيرين، وأضف إليهم من ماتوا قبلهم. كل واحد من هؤلاء قيمة كبيرة في حد ذاته. عطاء متميز أو وحيد في مجاله. أخذت أفكر في واقعنا الثقافي الآن بعد رحيل هؤلاء.
من يبحث في علم الوراثة مثل أحمد مستجير؟ من يترجم بوعيه في مثل الموضوعات التي ترجم فيها ومعظمها علمي بروح أديب حساس وراق؟
من يكتب مقالا صحفيا هادفا بأسلوب جذاب وعميق في الوقت نفسه، يدعم الأفكار بالمعلومات. يصيغ مقاله وكأنه بحث علمي بروح أدبية. تكشف كل مقالة له بجلاء عن عمق حبه لهذا الوطن؟ من يعوضنا عن محمود عوض الذي أقصد؟
من يمكن أن يشكل ظاهرة في الأدب العربي المعاصر كالتي شكلها محمد مستجاب؟ لم يكن ظاهرة أدبية فقط، بل كان ظاهرة شخصية أيضا. كان متوافقا مع نفسه شكلا ومضمونا كما لم أر مثل هذا التوافق علي آخر.
من يسخر سخرية محمود السعدني في كتاباته ؟ أعتقد أنه الوحيد الذي حفظ كثير من القراء عبارات ساخرة له وربما مقالات. كان عبقريا في الكتابة الساخرة. جعل موضوعات الوطن العامة موضوعاته الخاصة وعبر عن آرائه فيها بسخرية لاذعة ، فكان أكثر تأثيرا من كتاب السياسة المباشرة، سواء كانت هذه الموضوعات الوطنية صغيرة أم كبيرة. لا أزل أذكر كثيرا من مقالاته التي نشرها في مجلة المصور في نهايات الستينيات من القرن الماضي. كنت طالبا في المرحلة الثانوية أحرص علي قراءة كل الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية التي كانت تصل إلي يدي في قلب الصعيد. كان عددها محدودا علي أية حال. لم تكن تكاثرت بالمئات مثلما هو عليه الحال الآن. لم تكن تصدر سوي أربع صحف يومية فقط. احسبوا كم يصدر من الصحف اليومية الآن ؟ نجح محمود السعدني في أن يجعلني أحفظ بعضا من مقالاته التي كان ينشر كلا منها علي صفحتين متقابلتين في مجلة المصور. أذكر مقالة قرأت صفحتها الأولي فبدت مفهومة ساخرة. ولم أفهم سطرا من نصفها الثاني في الصفحة المقابلة . أخذت أدقق في المقالة لأفهم السبب في عدم فهمي. خشيت أن يكون الكلام كبيرا عليّ. فاكتشفت أنه أعاد كتابة الصفحة الأولي بالنص ولكن بالعكس تماما. أي أنه بدأ من آخر كلمة في آخر سطر ثم الكلمة التي قبلها وهكذا.. اتبع محمود السعدني لعبة من ألعاب الكتابة التي أبدعها السرياليون في النصف الأول من القرن العشرين في أوروبا. ولم يكن السعدني سرياليا علي الإطلاق إلا في فكاهته السوداء التي كانت اكتشافا سرياليا. لم يحاول كاتب مصري آخر غير السعدني ابتكار لعبة من ألعاب الكتابة سواء في الكتابة الساخرة أو غير الساخرة . لا أنسي مقالته في السخرية من التعليم في المدارس وبخاصة في امتحان الثانوية العامة. ابتكر نموذجا لهذا الامتحان ونشره في إحدي مقالاته. وبدأ كالعادة بسؤال الإنشاء. فصاغ السؤال كالتالي: »أكتب ما لا يقل عن 500 سطر في الموضوع التالي: تجعلق الخرطاف في خردابه فتشوشن وتبعرط بعرطة شديدة«. لابد أن يستلقي القارئ علي قفاه عندما يقرأ مثل هذه السخرية التي جعلتني أحفظها حتي الآن ومنذ ذلك العمر. ومن السخرية الأكثر سوادا أن سخريتنا من حال التعليم عندنا أضحت عادة يومية. فمن يحل محل السعدني في سخريته أو يفوقه؟
من سيجرؤ علي الكتابة والنشر مثل نصر حامد أبوزيد ؟ المهم عندي مما ذهب إليه نصر ليس هو الموضوع رغم أهميته. فلقد فكر مثله أو أكثر بعدا كتاب مصريون في النصف الأول من القرن العشرين. وقصة كتاب إسماعيل أدهم »لماذا أنا ملحد« ربما أصبحت معروفة لدي كثير من القراء. هناك غير إسماعيل أدهم من اجتهد في مراجعة الدين الإسلامي بآراء مختلفة وصادمة. لقد نشرت في كتابي »حيوية مصر«، عن معركة رسالة الدكتوراه التي أعدها الدكتور محمد أحمد خلف الله وبحث فيها ربما للمرة الأولي موضوع التصوير الفني في القرآن. وكيف رفض الأساتذة مناقشة الرسالة في جامعة القاهرة التي من المفترض أن تكون محض ساحة علمية. علي الرغم من أن المناخ الذي كان سائدا في تلك السنوات كان أكثر تفتحا وليبرالية بما لا يقاس من مناخنا الفكري البائس الذي يجثم علي صدورنا. فمع احترامي لاجتهاد نصر حامد إلا أن شجاعته في نشر اجتهاده ودفاعه القوي عنه يستحقان الاحترام الأكبر مثلما تستحق الاحترام زوجته الدكتور ابتهال التي تحملت معه ومن أجله ما تحملته من متاعب نفسية مهولة، ولا داعي لإعادة نشر القصة هنا.
فمن يعوضنا عن نصر حامد أبوزيد؟
ومن يعوضنا عن فاروق عبد القادر، ليس في نقد المسرح فقط، إذ لم يعد لدينا مسرح ولا نقد، ولكن في الرجولة ونصاعة قوة الحق والتجرد الموضوعي؟ هكذا يمكنني الحديث عن كل مبدع ممن فقدانهم من متنوعي الاهتمامات والمجالات.
حتي لا يبدو كلامي مغرقا في التشاؤم، ومن باب الأمل، أقول: آمل أن يخرج من علم الغيب من يفوق من فقدناهم، ويعيدون ثراء الثقافة العربية المصرية. لكن هذا لن يحدث في حياة جيلي. لأن حدوثه لا يتوقف علي علم الغيب.
فمن يجرؤ اليوم ممن بقي من كتابنا علي أن يقول للأعور أنت أعور في عينه؟
هذه هي المأساة الأخري . بعد أن فقدنا الكبار لم يبق لنا إلا صغار أو كبار قد صغروا. مع استثناءات قليلة بالطبع. يقدر الواحد من هؤلاء الكبار الصغار علي قول الحق إذا تحدث عمن ليست لديه سلطة مؤثرة عليه. أما إذا تحدث عمن لديه سلطة عليه يصبح كلامه سلطة. والفارق واضح وضوح الخضراوات.
كثير ممن تبقوا لنا ممن يسودون صفحات صحفنا حاليا انتهي عمرهم الافتراضي في الكتابة. فأصبحوا عبئا ثقيلا علي القراء. هنا ربما تكمن الحسنة الوحيدة لانتشار الأمية وعدم انتشار عادة القراءة بين أشقائنا المصريين. بينما مات المبدعون منا حقا ناقصين أعمارهم وأعمارنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.