لا ينبغي لإعلان الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف عن أنه يفضل التنازل عن منصبه، والتوصية بسلفه فلاديمير بوتين ليخلفه في عام 2012، أن يشكل صدمة كبيرة. فالحقيقة هي أن بوتين، الضابط القوي السابق في المخابرات السوفييتية، لم يذهب بعيداً منذ تنحيه عن منصبه في عام 2008، بعد أن تولى الرئاسة الروسية لدورتين متتاليتين. إن استراحة بوتين الحالية من منصب الرئاسة وتعيينه كرئيس للوزراء. وهي استراحة تقتضيها القواعد الدستورية التي منعته من تولي الرئاسة للمرة الثالثة، كان يراها المراقبون على نطاق واسع مجرد وسيلة لإبقائه بارزاً للعيان، إلى أن يتمكن من ترشيح نفسه مرة أخرى، وهو ترتيب، كما قال ميدفيديف: «تم الاتفاق عليه منذ أمد طويل». وفي الواقع، فإن بوتين يعتبر منذ فترة طويلة السلطة الحقيقية وراء حليفه المطيع. وخلال هذا الانقطاع عن الرئاسة، لم يتصرف بوتين بأسلوب أقل من «رئاسي»، وبقي في مقدمة مخيلة الشعب الروسي، من خلال ظهوره الإعلامي المستمر، الذي أظهره رجل أفعال مقدام. وفي حين لا يمكن إنكار شعبيته الحقيقية، أو شعبية حزب روسياالمتحدة الذي يتزعمه، فقد تم اكتساب ذلك الدعم على حساب وجود معارضة حقيقية أو إعلام حر، كانا مستهدفين من قبل بوتين وأنصاره. وفي حقيقة الأمر، جاء إعلان ميدفيديف بعد أشهر من المناورات السياسية. ومنها تعيين خليفة بوتين فالنتينا ماتفيينكو رئيسة للمجلس الأعلى في البرلمان الروسي، دون أي معارضة، لتحل محل زعيم حزب روسيا العادلة الذي أقيل إثر انتقاده لحزب روسياالمتحدة. وسيستفيد بوتين كذلك من التغييرات الدستورية التي أقرها ميدفيديف. والتي أعرب الناقدون في ذلك الوقت عن اعتقادهم أنها كانت تهدف إلى تعزيز سلطة بوتين في حال رشح نفسه للرئاسة مرة أخرى، لضمان أن الفترة الرئاسية الجديدة، التي سيفوز بها بوتين بلا شك، ستكون لمدة ست سنوات بدلاً من أربع سنوات. ويشير كل ذلك إلى بلد ينحدر من الديمقراطية إلى الاستبدادية، وينبغي أن يكون هذا مدعاة للقلق الشديد. وفي زيارة أخيرة إلى البرلمان الألماني، أكد بوتين أن الحرب الباردة انتهت. وبلغة ألمانية طليقة، وهي اللغة التي تعلمها بحكم عمله في المخابرات في ألمانياالشرقية سابقاً، قال إن روسيا والدول الأوروبية المجاورة تحتاج لأن تتعلم لغة الثقة. وفي مارس الماضي، كان الرئيس الروسي يبني علاقات صداقة مع قادة الاتحاد الأوروبي في قمة ستوكهولم. ومنذ فترة قصيرة، وبعد انضمامه إلى التحالف المناهض للإرهاب، توجه إلى بروكسل لحضور المزيد من الاجتماعات مع كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي. في عهد الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، كانت علاقة روسيا بالاتحاد الأوروبي مجرد تمضية للوقت، ولكن قادة الاتحاد لا يشكون الآن في أن بوتين يريد لروسيا أن تكون ضمن اللاعبين على المسرح الأوروبي. هل من الممكن أن تنضم روسيا إلى الحلف الذي يضم 19 دولة كانت تقف ضده؟ يشك بعض كبار المسؤولين في ذلك. لقد ساهمت الهزائم التي لحقت بروسيا في الشيشان، في جعلها شريكة في التحالف ضد الإرهاب. فيما جعلت أحداث 11 سبتمبر الآخرين أكثر تقبلاً لدرجة جديدة من الشراكة. ولكن في نهاية المطاف، ليس من المرجح أن تنضم روسيا إلى حلف شمال الأطلسي، فذلك من شأنه أن يغير طبيعة الحلف برمتها، ولن يكون بمقدور الاتحاد الأوروبي أن يتسع لبلد كبير مثل روسيا. غير أن كلا الجانبين يرى ميزة في الاقتراب، فروسيا تريد نفوذا أكبر على المسرح العالمي، في حين يريد قادة الاتحاد الأوروبي الحفاظ على العلاقات الودية بينهم وبين الدولة العملاقة الواقعة إلى الشرق.