من الذي يعرقل صدور القانون الموحد للاحوال الشخصية للمسيحيين الذي تم الاتفاق علي مواده منذ سنوات ولم يخرج إلي النور؟! كان تعطيل صدور القانون موضع استياء الطوائف المسيحية بل وعدد كبير من النشطاء المسلمين الذين تضامنوا مع مطلب المسيحيين العادل في صدور قانون موحد للاحوال الشخصية. وتجدد الامل.. عقب صدور الحكم القضائي من المحكمة الإدارية العليا الذي يلزم البابا شنودة باصدار تصريح زواج ثان للأقباط الحاصلين علي احكام نهائية بالطلاق من المحاكم المصرية.واعلن البابا رفضه لتنفيذ الحكم علي اساس انه يتعارض مع تعاليم الانجيل. ونقل عن مقربين لقداسة البابا.. انه يتردد في الاستشكال القضائي.. ضد حكم الإدارية العليا وانه مقتنع بان العمل علي الاسراع في اصدار القانون الموحد اجدي من الدخول في اروقة المحاكم. وجاءت استجابة الدولة لمطلب الاقباط سريعة حيث شكل وزير العدل لجنة تمثل الطوائف الثلاث الارثوذكس والكاثوليك والبروتستانت لإقرار المواد الاساسية للقانون ووعد الوزير بان اللجنة ستنتهي من اعمالها خلال شهر. وكان من المفترض بعد الالتزام الذي قطعه وزير العدل علي نفسه ان تتفق قيادات الطوائف علي الحدود المشتركة التي تكفل ان يصدر القانون معبرا عن الجميع. وكان من المفترض ايضا ان تقوم الكنيسة الام "الارثوذكسية" بتبني مطالب كافة الطوائف باعتبارها تمثل غالبية المسيحيين المصريين. ولكن يبدو ان المتشددين من صقور الكنيسة كانت لديهم آراء مخالفة تستند الي ان من حق الاغلبية ان تفرض شروطها.. وبذلك فشل الاجتماع الذي عقد لقيادات الكنيسة يوم الاربعاء قبل الماضي.. في التوصل إلي نتيجة. وذكر ان بعض من شاركوا في الاجتماع طالبوا بان يقتصر القانون علي المواد الي تنظم الزواج دون باقي المواد الاخري وان يقتصر تطبيقه علي الطائفة الارثوذكسية وحدها وبذلك لن يكون القانون موحدا أو شامل لمجمل قضايا الاحوال الشخصية ويفتح الباب امام كل طائفة للمطالبة بقانون خاص بها. وبالرغم من انني لا اعتقد ان هذا هو الاتجاه الغالب داخل الكنيسة الارثوذكسية لكن من بين القيادات من يعلن هذه الرؤية ويدافع عنها. تشدد صقور الكنيسة الارثوذكسية لا يمثل العقبة الوحيدة علي طريق اقرار القانون هناك عقبات اخري تتمثل في اختلاف الرؤي بين الفصائل المسيحية. القس اندريا زكي وكيل الطائفة الانجيلية.. قال: نحن نؤيد القانون لكننا نتمسك بمبدأ التبني في المسيحية وضرورة اعتراف الارثوذكس بصحة الزواج الديني المنعقد لدي الكنائس الانجيلية.. وعدم اعادة عقود الزواج الصادرة عنا. مطالب الانجيليين تستند الي ان التبني يعتبر مكونا اساسيا في الايمان المسيحي ولايوجد خلاف بين جميع الطوائف علي ذلك. وتستند ايضا إلي انه طالما سيصدر قانون موحد للاحوال الشخصية للمسيحيين فإن مواده يجب ان تطبق علي الجميع ولا معني ان تكرر احدي الكنائس الزواج الذي يعقد في كنيسة أخري ويؤكد انه ليس في صالح أحد اعادة الكنائس للزواج كما ان تأجيل القانون ليس في صالح الطوائف المسيحية. ويطالب اندريا بان يلتزم كل طرف بالاتفاق بما لا يتعارض مع العقيدة.. ويحترم سيادة الدولة. أما الطائفة الكاثوليكية فتطالب باعتراف متبادل بالطقوس الدينية مع الارثوذكس.. وتري ان هذا الاتفاق ضروري حتي يصدر القانون الموحد. والخلافات بين الطوائف لاتتعلق بأهمية صدور القانون.. فالجميع يعترف بان تأجيل صدوره ليس في صالح احد خاصة انه سيوضح العلاقة بين الكنيسة والدولة ويبطل المزاعم التي تتردد بشدة هذه الايام بان الكنيسة تمثل "دولة داخل دولة" ولا تحترم احكام القضاء مما يثير سخط قطاع واسع من المسلمين ومن المسيحيين العلمانيين ايضا. وقد بدأ التيار العلماني القبطي في وضع مشروع مواز للاحوال الشخصية للأقباط سيطرح امام المؤتمر العام للتيار لاقراره في شكله النهائي.. ثم رفعه لوزير العدل. وفي الوقت نفسه تظاهر عشرات من المحامين الاقباط الخميس الماضي علي سلالم وزارة العدل مطالبين بدعمهم في الطلاق والزواج الثاني واصدروا بيانا نشر في الصحف يطالب المجتمع بمساعدة الاقباط ليحصلوا علي حقهم الطبيعي والقانوني في الطلاق دون ان يضطروا إلي تغيير الملة أو التحايل علي القانون والكنيسة. والخلاف حول موقف الكنيسة الارثوذكسية من الزواج الثاني لم يقتصر علي المسيحيين العلمانيين انما جاء ايضا من جانب استاذ اللاهوت بعدة جامعات دولية جورج حبيب بباوي في رسالة مسجلة للكنيسة القبطية نشرت في الشروق يؤكد فيها ان هناك فارقا في المسيحية بين الطلاق الذي هو حق للرجل منفردا ترفضه المسيحية وبين التطليق الذي هو حق للرجل والمرأة معا بموافقة جماعة المؤمنين "الكنيسة". واضاف.. الشريعة خلقت من أجل الإنسان وليس العكس لا يمكن ان تترك الإنسان يعيش في قميص باكتاف حتي يموت أو يجن.. أو يقتل الطرف الآخر. واستند استاذ اللاهوت إلي آيات عديدة من الانجيل.. كان يمكن ان يناقشها صقور الكنيسة ويردون عليها خاصة انهم لا يترددون في التصدي للآراء التي يقدمها رجال القانون كما حدث مع المستشار محمود العطار نائب رئيس مجلس الدولة الذي حذر في مقال بالأهرام بعنوان "مجلس الدولة وقضايا المسيحيين" من الاشارات التي صدرت من الكنيسة عقب صدور حكم المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة متضمنا اثبات حق أحد المسيحيين المطلقين في الحصول علي تصريح بالزواج مرة ثانية.. ووصف هذه الاشارات بأنها تمثل تهديدا خطيراً لتكوين الوطني للأمة المصرية. وتصدي الانبا بيشوي مطران دمياط وكفر الشيخ والبراري بالرد في مقال بالأهرام.. وتساءل هل حينما يتمسك الاقباط بعقيدتهم يعتبر تهديدا للتكوين الوطني للأمة المصرية هل يطلب منا الخضوع لرأي قاضي غير مسيحي يحكم ضد عقيدتنا المسيحية.. فليقلها صراحة ان المطلوب من المسيحيين التخلي عن مسيحيتهم. وطبعا لم يقصد المستشار المسلم ما توصل إليه مطران دمياط انما عبر عن خشيته من عدم الالتزام باحكام القضاء علي الوحدة الوطنية من منظور قانوني باعتباره نائب رئيس مجلس الدولة. الأمر المثير للحيرة ان الانبا بيشوي اعترف بانه قرأ محتوي المقال.. ولم يرد سوي علي فاتحته لانه لا يريد ان يدخل بمتاهة الاحكام والقوانين!! وعلينا ان نتصور الاثر السلبي علي المواطن المسيحي الذي يقال له ان المطلوب منه ان يتخلي عن مسيحيته. مقال الانبا بيشوي يؤكد ان مخاوف المستشار العطار ومخاوف المصريين علي التكوين الوطني للأمة المصرية.. هي مخاوف حقيقية! ولم تتوقف حملة الكنيسة ضد المستشار العطار وحده وانما شملت ايضا استاذ اللاهوت بالكنيسة الانجيلية القس اكرام لمعي لمجرد انه يطالب بقانون مدني يطبق علي المصريين جميعا ويؤكد ان هذا القانون لا يتعارض مع الدين لان الدولة المدنية هي التي تحترم عقائد مواطنيها. ورغم هذا التوضيح تعرض الرجل لحملة شرسة بدعوي انه يسعي للشهرة وهو ابعد ما يكون عن ذلك لكن ايمانه بالدولة المدنية يدفعه للخلاف مع الكثيرين من رجال الدين المسيحي حتي من ابناء طائفته الذين يتحرجون من اعلان تلك الآراء.. التي تثير حساسيات عديدة لدي الكنائس الأخري. لكن الرجل يرفض التخلي عن مبادئه.. خاصة تحت ضغط الإرهاب الديني! نقلاً عن جريدة "الجمهورية" المصرية