اختلف سوق الزواج الحالي عن أيامنا القديمة، فلم تعد الأم هي التي تبحث لابنها عن العروس، بل عن طريق الإنترنت يتعرف شاب اليوم على الآلاف من "بنات الحلال". وسوق الإنترنت حاليا يضم خليطا عجيبا من طلبات وعروض الزواج، مثل أي سوق آخر. لقد انقلب الزواج من السكن إلى السلعة، ومن معنى ممزوج بالقدسية إلى سوق لا تخلو من العبث والعبثية. ولنتأمل هذه المشكلة من ثلاثة أوجه؛ تطورها، ومخاطرها، ومزاياها. كانت العادة القديمة في الزواج ذهاب الوالدة تخطب لابنها، فتدخل بيوتا وترقب فتيات مختلفات على ذوقها، لكن مع اقتحام الإنترنت بيوت أكثر من مليار شخص فتح نافذة عجيبة لتعرف الرجال على النساء. فهناك شباب وشابات على الشاشة، من كل البلدان والثقافات. وميزة الزواج القديم كان في التعرف على فتاة من نفس البلد فتراها الأم وتتفحصها باهتمام وعن قرب. وكانت العادة أن "الخطابات" يطرقن الأبواب بصراحة في طلب يد الفتاة، وأحياناً على نحو غير مباشر، فتدخل الفتاة فتتقدم بفنجان قهوة فتتأملها الأم الخطابة وتعانقها لتكتشف خفايا جسمها وأسرار عللها وأمور تعرفها النساء أكثر من الرجال. أما اليوم فتغير الوضع، وبدأ الشباب في التعرف على آلاف الفتيات عن طريق الإنترنت. فمثلا هناك في أحد المواقع يوجد مليون عضو، فإذا أراد الشاب أن يعرف ساحة الزواج فليس عليه سوى كبس زر الكمبيوتر، ثم وضع الطلبات من العمر والبلد والصورة والعمل والدخل والثقافة والدين، بالإضافة إلى وضع فلترة خاصة، مثل الفتاة التي تشترط أن لا يدخل حرمها في الموقع من هو فوق الستين مثلا، أو من يعيش في البلد الفلاني، أو من هو متزوج يبحث عن زوجة ثانية.. إلخ. وخلال ساعات قليلة يتعرف على كمية هائلة من الطلبات، ليقوم بعدها بتحديد طلباته أكثر، ثم إجراء المحادثة المباشرة، بالكتابة أو الحديث. وهكذا تقوم اتصالات لا حصر لها بين طلاب زواج حقيقيين، أو وهميين من طراز كازانوفا وراسبوتين ودون جوان. وفي العرض يمكن للشاب تأمل الفتيات ممن عرضن صورهن وأعطين مواصفاتهن؛ من طول وقصر، بدانة ونحافة، دراسة وعمل... وينطبق هذا أيضا على الشاب. عندها يقوم الشاب أو الفتاة ببداية التعرف، لكن هنا المصيبة، لأن لصوص الأعراض كثيرون، فقد يكون شاب يريد العبث، وفتاة كاذبة، أو امرأة غيرت عمرها وموقعها وبلد نشأتها، وآخر يريد التسلي! إنها سوق حقيقية لمن أراد تحصين نفسه بالزواج، وسوق خطيرة لمن يريد الضحك على الفتيات وتوريطهن، أو بالعكس لمن تريد اصطياد رجل بكلمات معسولات كاذبات. ومع هذا فالموقع الذي يملأ خزائنه من أموال مليون مشترك، حريص على كشف الخداع والتدليس حتى لا تتأثر سمعته؛ فينبه على أي تغيير يدخله المشترك على بلده وسنه ووضعه العائلي. وإلى ذلك فالموقع حريص على إظهار حالات نجاحه في ربط الرجال بالنساء عبر زواج موفق، فيخبر عن قصص نجحت، ويخفي قصصاً فشلت. وأمام أحد المفرزات العجيبة للعولمة، إذا بفتاة من تايلاند تذهب لكردستان تبحث عن زوج راسلته وأحبته، أو رجل من الأرجنتين راسل فتاة من جنوب إفريقيا؛ فشد الرحال إلى جوهانسبيرج. والسؤال حول هذا التطور: هل هو مشجع؟ هل هو مخيف؟ هل هو تزحلق إلى الهاوية؟ هل هو بركة وضربة حظ، أم ورطة ومصيبة؟ والجواب: إن كل ذلك فيه وأكثر! نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية