تزيد الضغوط الأمنية والاقتصادية من عمق عدم الاستقرار في اليمن مما يثير مخاوف لدى دول الجوار التي تمثل حيوية استراتيجية، وتشمل المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم وواحدا من أكثر ممرات الشحن ازدحاما. وجاء مزيج من تمرد للحوثيين في الشمال ونزعة انفصالية في الجنوب وهجمات من تنظيم القاعدة إلى جانب نقص المياه وأزمة إنسانية وفقر يزداد سوءا وتراجع عائدات النفط ليؤدي إلى اضطرابات شديدة في هذا البلد العربي. كما تركزت المخاوف أيضا على قرب اليمن من الصومال الواقع في منطقة القرن الإفريقي على الجهة الأخرى من خليج عدن والذي تشيع فيه أنشطة القراصنة التي تستهدف السفن الدولية في تحد للأساطيل الدولية التي تسعى لوقف هذه الممارسات. وتمر نحو 20 ألف سفينة عبر خليج عدن سنويا متجهة من وإلى قناة السويس. وقال كريستوفر بوسيك من برنامج كارنيجي للشرق الأوسط إن "اليمن يواجه تحديات غير مسبوقة ... إذا وصل أي من تلك التحديات إلى نقطة التأزم فإنه يمكن أن يربك الحكومة اليمنية. وأضاف أنه إذا لم يتم اتخاذ خطوات "فإن اليمن يتعرض لخطر التحول إلى دولة فاشلة ومرتع تدريب للتطرف الإسلامي". وهناك سيناريوهات محتملة حول كيفية تطور مشكلات اليمن: أصبح اليمن بصورة كبيرة محور تركيز جدول الأعمال الأمنية بالمنطقة في أغسطس/ آب 2009 عندما شنت الحكومة عملية ضد المتمردين الحوثيين في الشمال مما أدى إلى أسوأ حقبة دموية في الصراع المستمر منذ عام 2004. وزادت حدة الصراع أيضا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009 عندما سيطر المتمردون على بعض الأرض السعودية، وقتلوا اثنين من حرس الحدود، واتهموا الرياض بالسماح للقوات اليمينة باستخدام الأرض السعودية كنقطة انطلاق لهجماتها على الحوثيين. وردت السعودية بشن هجوم عسكري على المتمردين، وفرضت منطقة عازلة داخل اليمن بعمق 10 كيلومترات لمنع المتمردين من دخول حدودها الجنوبية الغربية. وسببت أحداث العنف نزوح أكثر من 170 ألف مدني، تقول الأممالمتحدة إنهم يعانون من سوء التغذية والكوليرا. ويقول الحوثيون المنتمون إلى الزيدية الشيعية إنهم يواجون تمييزا سياسيا واقتصاديا ودينيا من جانب الحكومة اليمنية التي يتهمونها بمناصرة التيار السلفي. وربما تتوصل الحكومة اليمنية والحوثيون إلى اتفاق يجددون فيه وقف إطلاق النار، لكن هناك مخاوف من احتمال ألا يصمد هذا الاتفاق ما لم تبذل صنعاء الجهد الكافي لمعالجة الشكاوى السياسية للحوثيين. وقال مصطفى العاني - محلل في مركز الخليج للأبحاث ومقره دبي - إنه يعتقد أن أحدث قتال "سينتهي بوقف آخر لإطلاق النار لكن التجارب السابقة تظهر أننا سننعم بالهدوء لفترة ثم يبدأ مرة أخرى". وتوسطت قطر في وقف لإطلاق النار لم يدم طويلا في يونيو/ حزيران 2007، وتوسطت في اتفاقية سلام وقعت في فبراير/ شباط 2008 لكن سرعان ما عادت الاشتباكات. وأعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح انتهاء الحرب في يوليو/ تموز 2008 لكن قتالا مكثفا استؤنف بعد عام. ومن النتائج الأخرى المحتملة للحرب، هزيمة عسكرية للحوثيين لكن الطبيعة الجبلية الوعرة للشمال والإصرار الذي يتسم به المتمردون يجعل هذا الاحتمال غير مرجح. وقال أستاذ العلوم السياسية السعودي خالد الدخيل إن صنعاء والرياض ربما تسعيان بدلا من ذلك إلى قطع مسارات الإمداد عن الحوثيين. وقال "أعتقد أن هذا ما سيحدث ... إنهم يحتاجون لعزلهم سياسيا وامداديا ... ويجعلون مواصلة تمردهم أمرا مكلفا للغاية بالنسبة لهم". وربما يمتد الصراع إلى داخل السعودية، وربما في منطقة نجران التي تضم سكانا من الشيعة من الطائفة الإسماعيلية والذين يشكون أيضا من بعض المتاعب والذين ربما يتعاطفون مع قضية الحوثيين. وتضم السعودية عددا كبيرا من السكان الشيعة في المنطقة الشرقية على ساحل الخليج ويقولون إنهم يواجهون تمييزا. كما ساعد الصراع في اليمن في إطلاق حرب إعلامية بين السعودية وإيران التي تتهمها المملكة بإمداد المتمردين بالأسلحة. وتنفي إيران هذا الاتهام. وقال نائب مدير المعهد الملكي للدراسات الأمنية والدفاعية في قطر مارك توماس إنه "من الصعب إيجاد دليل على طبيعة الانخراط الإيراني داخل اليمن، لكن نشر قوات إضافية من البحرية السعودية في خليج عدن ربما يشير إلى احتمال وجود بعض من الحقيقة في تلك المزاعم". ولا توجد شخصية واضحة يمكن أن تخلف الرئيس صالح، الذي تولى السلطة في اليمن الشمالي سابقا عام 1978، وظل رئيسا لليمن الموحد منذ اندماج الشطرين عام 1990، ويواجه مجموعة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. واندلع العنف في الجنوب في 2009 بعد تجمع حاشد للمعارضة لإحياء ذكرى الحرب الأهلية عام 1994، والتي هزمت فيها قوات صالح الجنوب الانفصالي الذي كان يعرف قبل اتفاق الوحدة بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. ويشكو سكان الجنوب الذي يضم أغلب منشآت النفط اليمنية منذ فترة من أن الحكومة في الشمال أساءت استغلال اتفاق الوحدة للسيطرة على موارد الجنوب والتمييز ضد سكانه. ويقول محللون إنه إذا زادت حدة الاضطرابات في اليمن أو تحول حتى إلى دولة فاشلة فإن هذا ربما يوسع من فرص تمركز مقاتلي القاعدة في اليمن لشن هجمات في منطقة ترسل النفط إلى دول يعتمد اقتصادها على البترول في أنحاء العالم. ويمثل الفقر والفساد أرضا خصبة لتجنيد المقاتلين في صفوف القاعدة التي أرسلت في أغسطس/ آب 2009 مفجرا انتحاريا وقامت بمحاولة فاشلة لقتل قائد أمني سعودي. كما يواجه اليمن أزمة مياه تعتبر واحدة من أسوأ مشكلات المياه في العالم والتي تزيد حدة بما أن عدد السكان البالغ حاليا 23 مليون نسمة ربما يتضاعف خلال 20 عاما. وتجبر ندرة المياه الكثير من سكان القرى الذين يعانون من الفقر المدقع على بيع ممتلكاتهم والنزوح إلى مدن يمنية، حيث لا يملك أحد يذكر منهم المهارة الكافية لتحسين مستوى معيشتهم حتى على الرغم من أن ذويهم يتوقعون منهم إرسال الأموال. وفي مؤشر الدول الفاشلة لعام 2009 - الذي يمثل تعاونا بين معهد أبحاث صندوق السلام ومجلة "فورين بوليسي" - احتل اليمن المرتبة ال18 متقدما على كوريا الشمالية بدرجة واحدة.