منذ أيام قليلة.. افتتح الملك عبدالله بن عبد العزيز جامعة جديدة للعلوم والتكنولوجيا، بلغت تكاليفها عدة مليارات من الدولارات، من بينها بليون ونصف البليون خصصت للتجهيزات مثل: أحد أسرع أجهزة الكومبيوتر في العالم، وأجهزة عرض ثلاثية الأبعاد. حفل الاحتفال ضم العديد من كبار الشخصيات العربية والعالمية، وكثيرون هؤلاء الذين أبدوا انبهارهم بهذه الجامعة العملاقة، كما تسابق المعلقون بالإشادة بها، وتأكيد كما كتب أحدهم أنه لا وجه للمقارنة بين هذه الجامعة وبين باقي الجامعات سواء في السعودية أو الخليج أو العالم العربي.. أو حتي في العالم كله«! رئيس الوزراء البحريني الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة عبّر عن انطباعاته بعد مشاركته في حفل الافتتاح، فوصف الجامعة بأنها:»تُجسّد استشراف الملك السعودي بأن العلم هو البوابة للولوج نحو العالمية، كما تُجسّد بصدق طموحاته العلمية والإنسانية إيمانا من جانبه بأن مصدر التفوق هو قوة العقل والإبداع، وأن العمل والإنتاج المتقن هو السبيل للولوج الآمن في ركب تطور القرن الحادي والعشرين«. وهناك مقالات، وتصريحات، كثيرة أخري أشاد كتابها وأصحابها بالجامعة، وأهمية العلوم، وضرورة التنافس عالمياً في مجالات العلوم والتكنولوجيا«. كلام جديد نسمعه لأول مرة عن السعودية، ويختلف جذرياً عما تعودّنا علي سماعه وقراءته.. بأصوات وأقلام من زاروها أو علقوا علي ما وصلهم من أخبارها وقرارات حكومتها وفتاوي الشيوخ الأكثر تحفظا، وجموداً، وتطرفاً! وهذا الجديد، المفيد، والمختلف، أكده الملك عبدالله، في الخطاب الذي ألقاه في حفل افتتاح الجامعة، قائلاً: »إن العلم والإيمان يستحيل أن يكونا خصمين إلاّ في النفوس المريضة«، كما أضاف موضحاً نفس المعني قائلاً:» إن المراكز العلمية التي تحتضن الجميع هي الخط الأول لمواجهة التطرف والمتطرفين«. ولم يكن الجديد، والمختلف، مجرد كلمات في الهواء، وإنما ظهر وبان حقيقة في عيون كل من تجوّل داخل هذه الجامعة العملاقة المقامة علي مساحة تبلغ 36كيلومتراً مربعاً.. شمال مدينة جدة وشاهد تجهيزاتها، و تعرّف علي مناهجها، التي تؤهل طلابها وطالباتها وأكرر: طالباتها لنيل درجات الماجستير، والدكتوراه، في تسعة تخصصات علمية مثل: علوم الكمبيوتر، والاحياء والعديد من فروع علم الهندسة. إعجاب الملايين بهذه الطفرة غير المسبوقة في المملكة، قوبل بامتعاض من جانب بعض عتاة المحافظين المتجمدين والمتطرفين. لقد تجاهل هؤلاء كل ما سمعوه عن هذه الجامعة، وعن المستقبل الرائع الذي ينتظر خريجها، واهتموا فقط بما وصفوه ب »أخطاء« و »خطايا« الجامعة الجديدة والمرفوضة تماماً من جانبهم! لقد هال هذا البعض من المشايخ أن جامعة الملك عبدالله تسمح بالاختلاط بين الرجال والنساء في الحرم الجامعي، وفي قاعات الدراسة.. وهو ما يحرمه هؤلاء »الأوصياء علي الشعوب« بكل حزم وإصرار وترصد! »الخطيئة الأعظم« من وجهة نظر هؤلاء هي السماح للنساء بقيادة سياراتهن داخل الحرم الجامعي! أما »أفظع الأخطاء والخطايا« كما يري هؤلاء المحافظون المتجمدون فكان »منع السادة أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من دخول تلك الجامعة أو التدخل من قريب أو بعيد بما يجري ويدور داخلها«. أحد هؤلاء الشيخ سعد بن ناصر الشتري جهر برفضه لأسلوب عمل جامعة الملك عبدالله، قائلاً: » إن السماح بالاختلاط بين الجنسين ينطوي علي مخاطر جسيمة، وإنه شر وإثم عظيم«! هكذا.. لم يجد الشيخ سعد بن ناصر الشتري عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة في الجامعة العملاقة، التي سترفع شأن التعليم الجامعي في بلاده إلي مصاف التعليم في كبريات الدول، سوي أنها »مفسدة«، و» شر«، وإثم«! ولم يكتف صاحبنا بما أعلنه، واستنكره، وندد به، وإنما أضاف إليه أغرب وأعجب ما سمعته. ففضيلته يطالب ب »عرض جميع المناهج التي يدرسها طلاب تلك الجامعة علي علماء ومشايخ الدين لمراجعتها قبل تمريرها، وللتأكد من خلو المناهج من الأيديولوجيات الغريبة علي حد وصفه مثل : نظرية النشوء والارتقاء«. وبعد أن قال الشيخ الشتري كلمته ومشي.. تصوّر أن الحكومة السعودية ستفزع مما قاله، ثم تسارع بتقبل تعاليمه والأخذ بأوامره، فتمنع الاختلاط في الجامعة، وتقصرها علي جنس واحد، وربما تطلب الحكومة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن ترشح لها من تراه مناسباً من بين عتاة أعضائها لتولي إدارة الجامعة لضمان شرعيتها، وطهارتها، وابتعادها عن المفاسد والشرور والآثام!! .. وبالفعل اهتمت السلطات السعودية بتعاليم الشيخ الشتري، وعكفت علي دراستها، ثم أصدر العاهل السعودي، خادم الحرمين الشريفين: الملك عبدالله بن عبدالعزيز قراره الحكيم ب » إعفاء الشيخ سعد بن ناصر بن عبدالعزيز الشتري من عمله كعضو هيئة كبار العلماء، وكعضو متفرّغ في اللجنة الدائمة للبحوث والفتوي المتفرّعة عن الهيئة«. * الاخبار