تحاول سلطات الولي الفقيه تحويل الانتفاضة الجماهيرية الكبرى من مسألة داخلية وسياسية واجتماعية صرف الى مسألة تحريض خارجي، لعبت فيه أجهزة المخابرات ودوائر الحرب النفسية دوراً كبيراً. وجاء تسلسل الاستدراك الإيراني متتالياً بما ينم عن وجود خطط لتشديد الضغوط والإجراءات المُمهدة لمحاكمة زعماء المحتجين. وحيث لا يمكن الفصل بين الجوانب الأمنية والسياسية، عندما تكون مرتبطة بحركة الجماهير على هذا النمط المثير، فأول ما تتذرع به النظم الشمولية اللجوء الى نظرية المؤامرة وتجسيدها وافتعال المواقف وإجبار بعض الوجوه المعروفة على الإدلاء باعترافات لا أساس لها، وهو ما تحدثت عنه قوى الإصلاحيين عن اعترافات بالقوة للسيد محمد أبطحي نائب الرئيس السابق محمد خاتمي. نقاط تأثير وما من شك في أن ما جرى في طهران ومدن أخرى تأثر بثلاث نقاط أساسية، هي: الشعور بعدم وجاهة سياسة معاداة الدول العربية التي اتبعتها حكومة أحمدي نجاد، ووجود فهم لحتمية التعاون مع البلاد العربية، وهو النهج الذي حاول رفسنجاني وخاتمي ومعهم بالطبع أبطحي العمل به، وهؤلاء وغيرهم لمسوا ترحيباً رسمياً عربيا على طريق إعادة بناء العلاقات على ضفتي الخليج. وبما ان دوائر المرشد تنظر إلى العلاقات من زاوية مظلمة، فإنها تفترض تأييداً عربياً لقوى الإصلاحيين. إلا أن المعروف عن السلوك العربي المتحفظ يُبعد احتمالات التنسيق المسبق بين أجهزة عربية وقادة إصلاحيين. فالخليجيون تحديداً يتفادون كل ما يعطي دوائر المرشد مبرر التدخل في شؤونها الداخلية، ولا يزال الجهد الاستخباري العربي في إيران ضعيفاً، لعدم ظهور أي مؤشرات معاكسة. تطلّع الشعوب الإيرانية الى تبني نمط الحياة الغربية، وكان الإيرانيون سباقين في تقليد الغرب في السلوك العام، قبل استيلاء الفكر المتشدد على الدولة. الاحتقانات الداخلية التي وصلت ذروتها في مرحلة الانتفاضة للتعبير عن الرأي. ليس معقولا ولا منطقياً أن يتمكن أي جهاز مخابرات ومؤسسات خارجية من تفجير الأوضاع بالطريقة التي حدثت، ولو حصلت حركة مسلحة لقلب النظام مثلاً لكان ممكناً إحضار نظرية المؤامرة للوصول الى ملامح التخطيط الاستخباري. وبما ان أجهزة المخابرات الإيرانية متعددة ومنتشرة بكثافة داخل إيران وخارجها، فكان مفترضاً التوصل الى معطيات تساعد على إجهاض فكرة التخطيط للانتفاضة، وهذا يقود الى احتمالين: فإما أن تكون المخابرات الإيرانية فاشلة الى هذا الحد، وإما ان تكون القيادة غير قادرة على فهم عدم إيمان الشعوب الإيرانية بنهجها. والاحتمالان يدفعان الى توقع المزيد من المفاجآت في المستقبل. من هنا يصبح من الطبيعي وجود دور غربي وعربي في ما حدث في إيران، لكنه دور طبيعي ومشروع يبنى على التأثير المستند الى العقل والنهج المعتدل بعيداً عن نظرية المؤامرة، وهكذا لم تفشل الثورة الخمينية في تصدير مبادئها فحسب، بل أصبحت سبباً في حاجة الشعوب الإيرانية لاستيراد الأفكار المتحضرة.