إدارة المشهد السياسي والحزبي في البلاد الديمقراطية تخضع لقواعد وأسس تقوم علي التفاهم والتوافق بين اطراف العملية السياسية, ولايجوز ان ينفرد طرف دون غيره باتخاذ قرارات مصيرية, إلا اذا توافرت معطيات تتيح ذلك وأهمها مدي نضج الحياة السياسية وقدرة الاحزاب علي التعامل مع التطورات المفاجئة. هذه المقدمة ترتبط بما يجري تداوله منذ أيام عن احتمالات بحل مجلس الشعب, خلال فترة الاجازة الصيفية, علي خلفية تعديلات سيتم ادخالها علي قانون مجلس الشعب ترتبط باقرار دوائر انتخابية جديدة في محافظتي اكتوبر وحلوان. ورغم ان ما تردد من كلام في هذا الشأن لم يرق حتي الآن إلي مستوي المعلومات الموثوقة, أو التصريحات الرسمية, ورغم انه ايضا خاضع لنظرية الاحتمالات أكثر منه خاضعا لفكرة الحتمية في التنفيذ, إلا ان ترديده بهذا الشكل يحتاج إلي موقف مختلف لما يحدث الآن. لقد التزم الرئيس حسني مبارك طوال فترة ولايته الرئاسية بالشرعية القانونية, ولم يصدر قرارا واحدا بحل البرلمان إلا اذا ارتبط بأوضاع قانونية, تحسمها المحكمة الدستورية العليا, علي غرار احكام عامي1987 و1990 المرتبطتين انذاك بنظام الانتخابات بالقائمة النسبية المختلط بالمقاعد الفردية.. وفي عام..2000 بسبب عدم الاشراف القضائي الكامل علي الانتخابات. ووفقا لذلك فان المؤشر الرئيسي لحل البرلمان ارتبط بصدور احكام من المحكمة الدستورية العليا استوجبت الحل الفوري, دون تشاور او تفاهم بين كل اطراف العملية السياسية والانتخابية, وهو امر طبيعي ووارد الحدوث نظرا لتوافر عنصر الضرورة والاستعجال, والخضوع لارادة اعلي مستوي قضائي في البلاد, ثم الخضوع لارادة الجماهير من خلال الاستفتاء علي قرار الحل. ومن المعطيات ايضا انحياز ولاية مبارك الرئاسية للقانون, والابتعاد عن اسلوب الصدمات الكهربائية المفاجئة في اصدار القرارات السياسية أو غيرها, والتأني في التعامل مع الموقف بما يتيح امتلاك صورة متكاملة بكل ابعاد الموقف قبل حسمه. وبذلك فان قرارات حل البرلمان ظلت خاضعة لعنصري التوازن والتأني السياسي من ناحية, وحكم القانون والدستور من ناحية أخري, دون اندفاع أو خرق لقواعد التفاهم والتوافق بين كل الأطراف السياسية الشرعية المعنية بالعملية السياسية والانتخابية. هذه المعطيات تدفعنا للتمسك بالدعوة إلي مواصلة التعاطي مع الحالة السياسية وفقا لمنهج حقق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي, في فترات شهدت فيها مصر ازمات ومصاعب عديدة, كان القبول الشرعي الشعبي فيها للمنظومة الحاكمة هو الاساس وراء تجاوز تلك الازمات ومواصلة عملية الاصلاح رغم الضغوط المتقاطعة العديدة التي تعرضت لها. لايعني كل ما سبق ان قرارا بحل البرلمان أو استمراره سوف يكون خطأ قانونيا, أو متعارضا مع احكام الدستور, بل ان جميع النظم الديمقراطية البرلمانية القائمة علي التعددية الحزبية, تشهد صدور قرارات بحل البرلمان واجراء انتخابات نيابية مبكرة, اذا كان هناك ما يدعو لذلك. والانتخابات النيابية المبكرة ليست شرا مستطيرا, بل هي في بعض الاحيان حل ملائم لتجاوز ازمة أو لتحقيق تطور اصلاحي مهم يقتضي منح الناخب الفرصة لاعادة صياغة الخريطة البرلمانية بما يتيح اجراء التغيير المنشود. وتظل رغم كل ذلك النقطة الجوهرية من وراء الدعوة لانتخابات نيابية مبكرة, وهي التوافق والتفاهم بين كل الاطراف الشرعية ذات الصلة بالمشهد السياسي والانتخابي, لاضفاء المزيد من الشرعية السياسية والقبول بين المعنيين بهذه الخطوة. من الصعب ان نترك الساحة الإعلامية خالية للحديث غير الموثق عن حل البرلمان, ومن الصعب القول بأن الدولة غير معنية بالرد علي هذه الترديدات وما تمثله تداعياتها من تأثير علي حالة الاستقرار علي الأقل بين النخبة ذات التأثير علي الرأي العام. من الضروري الرد علي هذه الترديدات, بل اعتقد ان حسم الموقف بالتشاور سيكون ذا نتائج افضل بكثير من تجاهل ما يتردد حتي لو ثبت بالممارسة انه لا حل ولايحزنون لمجلس الشعب, ان تقديم المعلومات للمواطنين هو افضل الوسائل للتعامل مع من يثيرون الازمات. * الأهرام المسائي