أجبرت الازمة المالية العالمية العمال المغاربة المهاجرين الذين فقدوا عملهم بالخارج للعودة الى بلادهم للعمل بسوق الخردة ب"خريبكة" وسط امال بانفراج الازمة والعودة من جديد للمهجر. ويقول مراد - 26 عاما- الذي توجه للعمل في ايطاليا منذ العام 1998 "في السابق كنا نأتي محملين بالهدايا لاهلنا وأصدقائنا .. نأتي فرحين لقضاء عطلة الصيف في الاعراس والحفلات، اما اليوم نعود محملين بالخردة لبيعها وتدبر أمرنا." واضاف ان الاوضاع انقلبت وفضل عدد من سكان "خريبكة" المهاجرين العودة الى بلدهم من أجل العمل، وكسب بعض المال هنا في انتظار انفراج الازمة، مشيرا الى عودة الالاف من سكان خريبكة ممن كانوا يعملون في ايطاليا واسبانيا. اما سعيد الذي قضى سبع سنوات بايطاليا وخمس سنوات باسبانيا يشتغل برخص عمل مؤقتة في شركة لصناعة البلاستيك فاوضح انه حتى الاسبان لا يجدون شغلا فما بالك بالمغاربة المهاجرين. وأردف وهو يشهر سلعته المتمثلة في قطاع غيار وأدوات ميكانيكية في "سوق الطليان" (سوق ايطاليا بخريبكة) "لا أزال أحتفظ بأوراق اقامتي هناك على أمل أن تتلاشى الازمة وأعود وأشتغل من جديد باسبانيا والا فبلدي أفضل لي. وفي "سوق الطليان" العشوائي يباع كل شيء من الملابس والاحذية الى قطاع الغيار وأواني المطبخ والتجهيزات المنزلية، وكل هذه السلع مستعمل وتعرض في فوضى شديدة وقد غطاها الغبار. ويؤكد عبدالصمد -53 عاما- ان هذه السوق كانت دائما موجودة، الا انها تنتعش بصفة خاصة في الصيف بعد عودة المهاجرين الذين يمدوننا بالسلع المستعملة لبيعها." ويضيف "لكن وجدنا أنفسنا اليوم جنبا الى جنب رفقة مهاجرينا الذين أصبحوا يزاحموننا في هذه التجارة." ويرى موفدي مصطفى -36 عاما- أن الحل بالنسبة لعدد من المغاربة العاطلين لم يعد هو أوروبا، يجب أن نفكر في بناء مستقبلنا في بلدانا. وطالب الدولة بأن تساعد من يستطيع في اقامة مشاريع عن طريق التخفيف من الضرائب والاقتطاعات، واضاف " أعرف من فر من الازمة في أوروبا لاقامة مشروع في خريبكة ولم يجد التسهيلات اللازمة، وأصابه اليأس وعاد الى غربته." و"خريبكة" التي تقع وسط المغرب هي مدينة يغلب عليها الطابع الريفي، باع فلاحوها اراضيهم الفلاحية بثمن بخس وهاجروا الى الدول الاوربية خاصة ايطاليا، واسبانيا كعمال. وساهم أبناء خريبكة والمناطق المجاورة في خلق حراك اقتصادي بالمدينة، وتوسيع العمران بها بالرغم من عزلتها الجغرافية، وبعدها عن محور مدن الدارالبيضاء والرباط وطنجة المنتعشة اقتصاديا بالمقارنة مع باقي مناطق المغرب. ولكن ان الازمة المالية العالمية افقدت أغلب هؤلاء العمال المغاربة رخص عملهم المؤقتة، وفضل معظمهم العودة الى البلاد لاحتراف مهن بسيطة كالتجارة، مع تفضيلهم الاحتفاظ باوراق اقامتهم في ديارالمهجر لعل وعسى "أن تنفرج الازمة ويتمكنوا من العودة". من جهته أكد خليل جماح وهو مدافع عن حقوق المهاجرين في المنطقة- ان انعكاسات عودة المغتربين جراء الازمة المالية العالمية بدأت تلقي بظلالها على خريبكة، إذ أصبحنا نعرف ارتفاعا مشهودا في عدد الجرائم في المدينة. وأضاف في السابق كانت الجرائم تتخذ طابعا بسيطا، اليوم نلاحظ جرائم من نوع غريب كالسطو على السيارات باستعمال اسلحة بيضاء، أو سرقة المنازل بطريقة منظمة. ولمساعدة المغاربة المهاجرين أعلنت الحكومة المغربية في بداية يونيو/حزيران عن مجموعة من التدابير، منها تدعيم تحويلات الجالية، وانعاش استثماراتها، واجراءات للمواكبة على المستوى الاجتماعي. وتعليقا عن عودة المغاربة للبلاد، قال محمد عامر الوزير المكلف بالجالية المغربية في الخارج ان هذه العودة مؤقتة، وأضاف يبدو أن عددا من المهاجرين فضل العودة لقضاء وقت الازمة مع أسره في انتظار انقضاء الازمة. وكان عدد المغاربة المغتربين ارتفع الى أكثر من 3 ملايين من 643 ألفا في العام 1992 ، وتعد تحويلات المغاربة العاملين بالخارج مصدرا مهما للعملة الصعبة لبلدهم، الى جانب ايرادات السياحة. وانخفضت تحويلاتهم أكثر من 14 % لتصل الى 14.6 مليار درهم (1.80 مليار دولار) حتى نهاية ابريل/ نيسان 2009 - بحسب احصائيات رسمية. (رويترز)