الرؤية التي طرحها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لحل القضية الفلسطينية لم تخرج عن رغبته فى فرض"دولة منزوعة الناس" أى على الفلسطينيين قبول دولة بمواصفات قبر... فقد ذكرت جريدة السبيل الاردنية أنه كما كان متوقعاً فقد كان الخطاب مجرد ضريبة كلامية دفعها نتنياهو للإدارة الأمريكية بشكل خاص بهدف التملص من استحقاقات التسوية السياسية للصراع عبر محاولة إملاء قائمة طويلة من الشروط التعجيزية على الفلسطينيين مقابل الحصول على سراب. فمنذ بداية الخطاب وحتى نهايته طالب نتنياهو الفلسطينيين سبع مرات بأن يعترفوا بإسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي وهذا المطلب الذي يتحمس له بشكل أساس قادة اليمين المتطرف في إسرائيل يعني أن يقر الفلسطينيون والعرب بحق إسرائيل في القيام بكل ما ترتئيه من أجل ضمان وجود أكثرية ديموغرافية يهودية وضمن ذلك التخلص من فلسطينيي 48 الذين يشكلون أكثر من 20% من السكان في إسرائيل. ورأت الجريدة أيضا أن خطاب نتنياهو كان موجها بالدرجة الأولى إلى إدارة أوباما وفي المقام الثاني للحلفاء الأكثر يمينية في ائتلافه الحكومي والذين شعروا بكثير من الرضا عن مضامين الخطاب التي انسجمت مع مواقفهم حد التطابق. أما حكومات الاعتدال العربي والسلطة الفلسطينية فإنهم كانوا خارج حسابات نتنياهو وربما لم يخطروا على باله من قريب أو بعيد حين أعدّ خطابه. ربما يكون هناك تطورا إيجابيا طرأ على موقف اليمين الإسرائيلي وبأنه اضطر بفعل الضغوط الأمريكية إلى التراجع خطوة للوراء وإلى تقديم تنازل باتجاه القبول بفكرة الدولة الفلسطينية التي كان يرفضها بصورة مطلقة فيما مضى. موقف السلطة الفلسطينية كان أكثر وضوحا ورأت أن خطاب نتنياهو ينسف كل مبادرات السلام والحل في المنطقة ويشكل صفعة لرؤية أوباما. وأكد كبير مفاوضي السلطة صائب عريقات إن نتنياهو يريد «دولة فلسطينية تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة» مشددا على أنه «لو انتظر نتنياهو ألف سنة فإنه لن يجد فلسطينياً واحداً يقبل التوجهات التي تحدث عنها في خطابه». والسؤال: هل ستصمد السلطة على موقفها وهل ستترجمه إلى فعل وسلوك عملي أم أن الأمر لن يتجاوز حدود ردة الفعل العاطفية التي سرعان ما تذهب أدراج الرياح؟ أما جريدة الدستور الاردنية فقد رأت أن حل الدولتين الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة والقابلة للحياة وعاصمتها القدس هو السبيل الوحيد لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ضمن سياق اقليمي استنادا الى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. ان الافكار التي طرحها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لا ترقى إلى ما توافق عليه المجتمع الدولي من اسس لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة وتحتاج الى تطوير جوهري. قمة العنصرية والعداء للسامية الصحافة المصرية لم تخل من التعليق على ماجاء فى الخطاب ولعل ابرزها ما جاء بجريدة الاخبار فقد وصف الكاتب جلال دويدار الخطاب أنه دعوة سافرة لتصعيد العنف والتطرف واثارة اجرامية للتوتر وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. إنها عودة للمربع الأول في مسيرة السلام واهدار متعمد لكل الجهود التي بذلت علي مدي سنوات وسنوات وتجسيد حي للاحتقار الذي توليه الجماعة الحاكمة في اسرائيل للشرعية الدولية وقراراتها. هذا الأمر يجعلنا نقول.. انه بهذه اللاءات القاضية علي أي أمل في تحقيق السلام يؤكد الاستراتيجية التي التزمت بها اسرائيل منذ قيامها وتتمحور حول اعتبار السلام خطرا عليها وعلي أطماعها وسياستها التوسعية. انها تري في الحرب والصراع والتوتر سندها في مقاومة التفكك الداخلي والحفاظ علي سيل المعونات التي تأتيها من تجمعات اليهود الصهاينة في كل أنحاء العالم خاصة الولايات المتحدة. السؤال الذي يطرح نفسه بعد الشروط التي تضمنها خطاب »البلطجي« هو وماذا بقي بعد ذلك لتحقيق السلام؟ كم أرجو من الفلسطينيين والعرب أن يستيقظوا من سباتهم ويفيقوا من وهم أحلامهم ويؤمنوا بأن الوقت قد حان لتدارك أخطائهم واحتواء صراعاتهم وانشقاقاتهم وانه ليس أمامهم سوي العمل علي توحيد صفوفهم وتعظيم قوتهم لمواجهة هذه الغطرسة وهذا الخطر. ان هذا البلطجي الذي يحكم دولة الصهاينة ما كان ليجرؤ علي تبني هذا الموقف لولا أنه يعلم يقينا حالة الفراغ والضياع والتشرذم الذي أصبحت عليها الأمة العربية يأتي في مقدمة هذه الأمة.. الشعب الفلسطيني صاحب القضية الذي يتصارع قادته المنقسمون علي أرض محتلة يعيث فيها المستوطنون المستوردون فسادا. كم أرجو أن تدرك الدول العربية ال32 أنه لا أمل علي الاطلاق في التصدي لهذا الخطر المحدق بهم إلا بالتوحد ونبذ الخلافات والتوافق علي استراتيجية واحدة تقوم علي استثمار الامكانات المتاحة. لابد من اقدام القادة الفلسطينيين اذا كانوا حقا فلسطينيين علي سرعة انهاء انقساماتهم وعدم الوقوع فريسة للاستقطابات الاقليمية. انهم مطالبون بالاستعداد لمرحلة جديدة من الكفاح والنضال التي تجعل اسرائيل نتنياهو تندم علي السير في طريق العدوان والتطرف. يبقي في النهاية هذا التساؤل الذي يتردد علي كل لسان في كل أنحاء العالم وهو ماذا أنت فاعل يا أوباما في مواجهة هذا التحقير لكل ما وعدت به العرب والمسلمين والعالم بالعمل علي اقرار السلام العادل؟!!