مع انتهاء الاستحقاق الانتخابي اللبنانى وإصدار النتائج الرسمية تطوى صفحة وتفتح مرحلة جديدة لبلورة الصورة المستجدة للخريطة السياسية في لبنان ولم تخل صحيفة لبنانبة من رصد وتحليل ما اسفرت عنه تلك الانتخابات . فقد رأت جريدة الانوار أن لبنان يحتاج اليوم الى حكمتين : حكمة الأكثرية الفائزة في الانتخابات بتواضع، وحكمة الأقلية الخاسرة في الانتخابات، بشجاعة.وليس أرقى من الطريقة التي جرت فيها هذه الانتخابات سوى القبول بنتائجها. واذا كانت السياسة قد فرَّقت بين اللبنانيين وقسمتهم تيارات وشيعاً متنافرة ومتنابذة، فإن حب لبنان قادر على جمعهم معاً . من العبث البحث عن ذرائع ومبررات لتفسير الفشل الذي منيت به المعارضة في هذه الانتخابات... فإذا كان الخطأ هو في هذا القانون الانتخابي الطائفي، فإن قوى المعارضة هي التي وافقت على اعتماده في مؤتمر الدوحة. وإذا كان العذر هو في أنها لم تحسن في تقدير أعداد المستقدمين من الناخبين المغتربين، فإن السياسة لا تحمي المغفلين. وليس من السهل تحميل العملية الانتخابية أكثر مما تحتمل وهي تحمل بنفسها شهادة براءتها من أي ذنب... أولاً في أنها سجلت أعلى نسبة اقتراع منذ نحو عقدين. وثانياً، في أن حجم ما ارتكبت فيها من مخالفات طفيفة لا يقلب نتيجة الاقتراع. لماذا خسرت المعارضة؟! فى جريدة السفير تساءل الكاتب سليمان تقي الدين لماذا خسرت المعارضة؟!واجاب خسرت المعارضة الانتخابات النيابية لكثير من الأسباب،منها التدخل الخارجي والمال السياسي والإعلام والتخويف، لم تتكوّن جبهة سياسية واحدة بمشروع سياسي واحد. تمّ اختصار المعارضة بكتلتي «حزب الله» و«التيار الوطني الحر». ولم تظهر المعارضة لمرة واحدة بجميع أطيافها ومكوّناتها. ما هو خارج عن كتلتيها المذهبيتين لم يكن طرفاً فاعلاً في مشروعها وقراراتها وإدارة العملية السياسية. لم يكن كافياً أن يظهر هؤلاء في المناسبات السياسية كجمهور يتلقى ويستمع. لم تكن للمعارضة قيادة مشتركة لجميع أطرافها ولم يكن خطابها السياسي بالفعل خطاباً واحداً. إن الطرفين الرئيسيين أحرجا في كثير من المناسبات حلفاءهما عندما جنح الخطاب إلى التركيز على البُعد السلطوي والمذهبي والمصالح الفئوية وكذلك في بعض القرارات المهمة والمحطات الأساسية. لقد طغى البُعد السلطوي في ممارسة المعارضة على البُعد الوطني والإصلاحي. شعارات المشاركة والثلث المعطل والجمهورية الثالثة وصلاحيات الرئاسة الأولى وتحرير هذه الجماعة أو تلك من وصاية الفريق الآخر والتركيز على مذهبية السلطة واللغة الاتهامية والفوقية والشطط في التعامل مع مشاعر الآخرين والاتجاه الإلغائي لبعض الفرقاء السياسيين، كل هذه راكمت عناصر النفور في أوساط فئات واسعة ومناطق متعددة. ولم تكن إدارة المعركة الانتخابية بحال أفضل. (حرب أهلية) بالصناديق ويرى رفيق خورى بجريدة الانوار أن الرهان على الانتخابات للخروج من المأزق كان وهماً وان تلك الانتخابات جرت على أساس قانون سيئ، باعتراف الجميع، واديرت بالعصبيات الطائفية والمذهبية والمال المتدفق اذ هي احصاء للناخبين في الطوائف والمذاهب اكثر مما هي انتخابات ديمقراطية. وهي عملياً البديل الأقل خطورة من الحرب الأهلية. لا بل (حرب أهلية) بالصناديق والأصوات في الصراع على السلطة. فالصوت السني واحد. والصوت الشيعي واحد. والصوت الدرزي واحد. والصوت الوحيد المنقسم أو المتعدد هو الصوت المسيحي، سواء في الدوائر الخالصة أو في الدوائر التي حسمت النتائج فيها أصوات المذاهب الأخرى. ومن الصعب الحديث عن انتخابات ديمقراطية، مهما تكن شهادات المراقبين المحليين والعرب والدوليين فخمة. فلا انتخابات ديمقراطية إن لم يكن اللبناني مواطناً حراً يختار بعقله وقناعاته، وليس من رعايا المذاهب التي تذهب الى صناديق الاقتراع بالعصبيات والقرارات التي لها طابع الإلزام السياسي أو الديني. ولا الانتخابات سوى جزء من ممارسة الديمقراطية التي هي نهج حياة ومؤسسات وحيوية مجتمع مدني ومراقبة ومحاسبة. والمفارقة انه لم يبقَ للبنان من الديمقراطية سوى طقوس الانتخابات التي فقدت طابعها الديمقراطي الحقيقي، وإن أجريت بشيء من النزاهة والشفافية يوم الاقتراع. والمسألة في النهاية هي كيفية الخروج من المأزق. فالكل يعرف أن حسابات الربح والخسارة مسجلة في دفتر الأزمة، بصرف النظر عن مشاعر الرابحين والخاسرين. ولا شيء أمامنا سوى الصراع على السلطة من دون حل الأزمة. لا الرابح يستطيع أن يحكم وحده. ولا الخاسر يريد أو يستطيع البقاء خارج السلطة. ولا الشعارات والبرامج والصور التي ملأت الجدران في المعركة مرشحة لأن تعيش بعد اعلان النتائج لكي تحقق الشعار الذي رفعه الجميع وهو بناء مشروع الدولة. واللعبة طويلة.