القضية الجوهرية التي تعاني منها الحياة النيابية في بلادنا تكمن في تدني نوعية النواب. فنواب كثيرون يهبطون علي الحياة النيابية بحكم ثرواتهم, واتصالاتهم, ولكنهم لا يمثلون أي إثراء للحياة النيابية في مصر. ولو حدث هذا مع النساء فلسوف يكون نكسة إضافية لتمثيل المرأة نيابيا, ولن يكون في ذلك أي حل للمشكلة الخاصة بتمثيل المرأة وزيادة دورها في المجتمع. (1) القضية المعروضة هي زيادة تمثيل المرأة في البرلمان, فكيف يتم ذلك؟ وفي البداية نتساءل ولماذا تقتصر المسألة علي التمثيل في البرلمان, أي في مجلسي الشعب والشوري؟. لماذا لا يكون المطلوب هو زيادة تمثيل المرأة في كل الهيئات الاجتماعية, ومنها الهيئات النيابية بكل أنواعها, المحلية ثم البرلمانية فضلا عن العمل بكل القطاعات؟. والواضح أن حضور النساء سواء في التعليم بمختلف مستوياته, ثم الوظائف والأعمال بكل فئاتها, في ازدياد وأصبحت مساهمة المرأة في الإنفاق علي مصاريف الأسرة مع الرجل من المسائل المستقرة في المجتمع حاليا بل إن نسبة الأسر التي تعولها نساء صارت نحو25%, وهذا يشمل كل المستويات الاجتماعية الغنية والمستورة والفقيرة. فإذا كان الوضع علي هذا النحو, وأصبح خروج المرأة من بيتها إلي الحياة العامة أمرا مستقرا, فإنه يكون من المنطق أن تنعكس زيادة نسبة النساء علي مختلف الهيئات والأعمال بما فيها البرلمان. ما المشكلة إذن؟ القضية في القيم والعوائق التي تحكم المجتمع, وهذه القيم والعوائق هي التي تجعل كثيرا من المصريين رجالا ونساء يعزفون عن المساهمة في الحياة العامة, ولذلك فإن عدد المصريين الذين يقدمون أنفسهم للعمل في أنشطة ذات طابع اجتماعي أو سياسي قليل جدا, ويكاد ينحصر وجود العنصر النسائي في هذه المنظمات أو الهيئات علي المدن الكبري, وهو شبه منعدم في البنادر والقري. معني هذا باختصار, أنك لا تستطيع في الصباح إصدار قرار بزيادة تمثيل المرأة في البرلمان لكي تجد هذا متحققا في البرلمان, فالمسألة تحتاج إلي سنوات من تطور ونمو اجتماعي تدريجي تترسب من خلالهما قيم سلوكية ومفاهيم وثقافة يومية تصب في هذا الاتجاه, علما بأن الفقر أو انتشار الأمية لا علاقة لهما بذلك, فلدينا نماذج الهند وباكستان وبنجلاديش تكشف عن الدور المتعاظم للمرأة في الحياة العامة رغم كل شيء. (2) يتردد أن مجلس الوزراء, بصدد مناقشة اقتراح بزيادة عدد النساء في مجلس الشعب.. وهناك اقتراح يجعل هذا العدد56 أو64 إضافة إلي العدد الأصلي للنواب444 فضلا عن المعينين العشرة الذين يختارهم رئيس الجمهورية. إذا تفحصنا الاقتراح, فهو يقول بزيادة دائرة تخصص للمرأة في كل محافظة من المحافظات ال28 زيادة علي الدوائر التقليدية والمعتادة في هذه المحافظات وهناك اقتراح إضافي يقول ان لدينا4 محافظات كبيرة السكان, وبالتالي يصح أن يخصص بكل منها دائرتان للنساء وليس دائرة واحدة فقط كباقي المحافظات. أولا, يعني هذا أنه سيكون لدينا مقاعد مخصصة للمرأة, ليس من حق السادة الرجال ابدا الترشح أو المنافسة عليها, وهذا سيفتح الباب علي مصراعيه, للطعن بعدم الدستورية لأنه اخلال جسيم بمبدأ المساواة الذي ينص عليه الدستور. ثانيا: تصور أن المحافظة علي كل اتساعها وتعدد مراكزها وانتشار قراها, ستصبح دائرة انتخابية واحدة, فهذا الاتساع سيكون عائقا جغرافيا يمنع الناخبين من معرفة المرشح الذي سيخوض الانتخابات ليمثلهم وبالتالي لن يستطيع الناخب أن يتيقن من تقويمه له ومعرفة عيوبه ومزاياه, فكيف يعطي صوته لمن لا يعرفه؟. ثالثا: في هذه الدوائر, المخصوصة, الشاسعة, سوف يعاني المرشحون والناخبون فيها, انعدام المساواة والتكافؤ مع نظرائهم في الدوائر الأخري العادية, فلماذا كل هذه التفرقة بين زميلين, سواء من النواب, أو من الناخبين؟. رابعا, علي أي أساس, سيكون للنساء في4 محافظات الحق في الترشح في دائرتين, أما في باقي المحافظات, فليس أمامهن إلا دائرة واحدة؟ أين مبدأ المساواة وأين التكافؤ؟ وفوق كل هذا, أين هي المرأة, أو حتي الرجل, المعروف علي مستوي المحافظة كلها من أقصاها إلي أدناها بحيث يستطيع أن يخوض مثل هذه الانتخابات؟ إن مثل هذه المرأة لو وجدت لكان لها أن تخوض انتخابات الرئاسة وليس مجرد انتخابات مجلس الشعب, هل عندنا فعلا نساء شهيرات بهذه الدرجة في بلادنا؟. (3) أخشي ما أخشاه أن تكرر مثل هذه التجربة مأساة برلماني1984 و1987 اللذين تم حلهما لعدم الدستورية بسبب عدم المساواة وانعدام التكافؤ. وأغلب الظن أن مثل هذا القانون لو صدر فلن يترتب عليه زيادة تمثيل المرأة فعليا في البرلمان من حيث قضاياها ومعاناتها ومشكلاتها, ربما يزيد عدد النساء, ولكن هذا لا يعني زيادة تمثيلهن, فالعبرة في المجلس النيابي ليست بالعدد, بل بالكفاءة. وهذا الموضوع, لا يتم حله أبدا لا بالقوانين, ولا بالقرارات الإدارية, الحل الوحيد لا يكون إلا عن طريق انتشار التعليم, وخروج المرأة للعمل والقضية كلها يمكن حلها بسهولة تجنبنا عدم الدستورية, عن طريق أن يلتزم الحزب الوطني بترشيح100 سيدة في كل الدوائر التي سيخوض فيها الانتخابات وبأن يقنع الاحزاب الأخري المعارضة بذات الشيء فضلا عن المستقلين سواء علي مباديء الحزب الوطني أو علي أي مباديء أخري. وهذا الحل هو الذي تنفذه الاحزاب الاوروبية وفي العالم كله. * المصري اليوم