الأهرام: 4/6/2009 كثيرا ما تطرق الفكر السياسي إلي مفهوم المسئولية باعتبار ان الالتزام بتطبيق هذا المفهوم معيار جوهري يقاس عليه مدي نجاح السياسيين, اي ان المسئولية فعل التزام من جانب النخبة السياسية. وتتضمن المسئولية ان سياسة تحقيق المصلحة لابد ان يصاحبها احترام حقوق الآخرين في تحقيق مصالحهم, وعندما يتصف السياسي بالمسئولية, فإنه يسلك علي النحو الذي يكسبه احترام الذات والجدارة باحترام الآخرين له, ويلمس هذا الاحترام حقيقة واقعة, ان لديه الحافز الداخلي لكي يحقق احترام الذات, وفي سبيل ذلك, فانه يكابد ويثابر, وربما يعاني لتنفيذ مهام وانجازات معينة, والالتزام بوعوده وضبط تصرفاته وفق بوصلة المسئولية باعتبار ذلك مباديء لا حياد عنها من هذا المتطور يمكن تفسير السر الغامض الذي سحر به الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما ملايين البشر داخل وخارج الولاياتالمتحدةالأمريكية. فمن منظور المسئولية يحل الرئيس أوباما ضيفا عزيزا علي مصر حاضرة العالم الإسلامي وقلبه النابض بالحياة, بلد الأزهر ومعقل الوسطية والاعتدال, في هذا الإطار نتذكر تصريحاته السابقة بأنه لم ولن يكون ضد الإسلام والمسلمين, وها هو يوضح مجددا ان زيارته للقاهرة هي رسالة تفاهم مع العالم الإسلامي وتحسين صورة بلاده لدي المسلمين, وانه يعتزم مناقشة سبل تحقيق التواصل بين الولاياتالمتحدة والمسلمين حول العالم باعتبار ذلك توجها جديدا يحتاج من الجانبين إلي الاقرار بامكان وجود علاقات طيبة بينهما, هذا النهج يلتقي مع إرادة الشعوب الإسلامية التي عانت كثيرا بسبب سياسة الرئيس السابق جورج بوش حين اعلن الحرب علي الإسلام والمسلمين باسم الإرهاب, وساهمت تصريحاته في نشر وتنشيط تصورات مغلوطة عن الإسلام والمسلمين, إن الشعوب الإسلامية تريد من الولاياتالمتحدة ان تشارك بفاعلية في اعادة صياغة الفكر الغربي بشأن الإسلام والمسلمين بعيدا عن المغالطات والافتراءات والصور النمطية السلبية, ومن منطلق المسئولية ايضا تحدي أوباما الرفض الإسرائيلي وسياسة نيتانياهو العدوانية, هذا التوجه يلتقي مع إرادة شعوب العالم في تحقيق السلام, ويلتقي مع إ رادة الشعب الفلسطيني الذي عاني عذاب الهون بسبب عدوانية إسرائيل علي امتداد ستين عاما ومازال يعاني حتي الآن, مثلما يلتقي مع إرادة الشعب العربي في اتخاذ السلام خيارا استراتيجيا عبرت عنه السياسة المصرية وجميع القوي العربية المحبة للسلام, ان العرب والمسلمين بمن فيهم الفلسطينيون يريدون من الإدارة الأمريكية تكريس الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية, بما يتفق مع القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة. ومن الواضح ان إدارة الرئيس باراك أوباما تدرك ان الولاياتالمتحدة اذا كانت القوة العظمي فإنها ايضا عليها مسئولية اعظم, وانها جزء من عالم متعدد الثقافات والأعراق, وإذا كان للولايات المتحدة مصالحها وحساباتها, فإن الآخرين ايضا لهم مصالحهم المشروعة, وان التضارب بين المصالح اساسه المطامع وسياسة الاستئثار وفرض القوة, فالاساس هنا غير انساني, لانه ينكر حقوق الآخرين الامر الذي يقتضي حسما صارما في انتهاج سياسة المسئولية والعمل معا وليس العمل ضد, انه من الخطأ القاتل ان تجعل الولاياتالمتحدة من نفسها قوة غاشمة مهيمنة تتصادم مع إرادة الشعوب وتتحكم في مقاديرها علي غرار ما كان يحدث في عهد الرئيس السابق بوش. وعلي المستوي النفسي للجماهير, فان سياسة الرئيس الأمريكي أوباما التي تقوم علي المسئولية وتتفق مع القيم الانسانية وضمير الرأي العام العالمي كان لها اصداء قوية عكستها مختلف وسائط التعبير, فمجرد تفحص بعض المواقع الالكترونية ووسائل الإعلام عبر الانترنت نتبين بوضوح ان اوباما له جاذبية معينة لدي قطاعات واسعة من الرأي العام في جميع دول العالم, وقد عبرت عن ذلك اشكال فنية متنوعة مجسدة ملامح شخصيته, بما فيها من ملامح تجعله قريبا من سيكولوجية الجماهير. وانعكاسا لتقبل الرأي العام لشخصية الرئيس أوباما اصبح فن البوستر يلقي رواجا كاسحا في دول أمريكا اللاتينية وافريقيا واسيا, ومن الشائع ان نجد وسائط التعبير عن الرأي العام في الولاياتالمتحدة تعكس ان الأمريكيين يشعرون بانهم قد استردوا حريتهم باختيارهم أوباما لانه يتصرف بمسئولية, وينأي بالسياسة الأمريكية عن استخدام قوة غاشمة تناقض ارادة الشعب الأمريكي, وتتباري اللوحات الفنية الرائعة لتصور أوباما علي انه قد خلص الشعب الأمريكي من كابوس مزعج وانه مجال حب الشعب الأمريكي بجميع طوائفه, وهناك اشكال فنية متعددة تصوره عملاقا متحديا, أو محبا للحرية والسلام, هذه التعبيرات وغيرها تعكس ما يتمتع به الرئيس أوباما من محبة واعتزاز لدي ملايين البشر, وقد تكون متأثرة بملامح شخصية أوباما وما يتمتع به من كاريزما تمتزج فيها القوة والعزيمة والتفاؤل والبساطة, الكبرياء والتواضع.. لكن الأهم من ذلك ان سياسة الرئيس الأمريكي أوباما حققت بعض النجاح في تصحيح صورة الولاياتالمتحدة وفتحت قنوات التعامل مع الآخرين من منظور الاحترام والتفاهم والمصالح المتبادلة. إن الحفاظ علي هذا النجاح يتطلب استمرار السياسة الأمريكية في انتهاج سياسة فعلية تجسدها حقائق وافعال ملموسة في المسئولية واحترام إرادة الشعوب.