تفاوت اهتمام المواطنين والمقيمين بمرض «أنفلونزا الخنازير»، ليرى بعضهم أنَّ «الأمر لا يستحق الاكتراث، وأنّ التغطية الإعلامية العالمية مبالغ بها لمصلحة كيانات اقتصادية مثل بعض شركات الأدوية، وشركات الموادّ المطهرة، وتلك المصنعة للأقنعة، بالإضافة إلى شركات إعلام تستفيد من نشر الذعر والخوف بهدف جذب الجمهور»، بينما يعتقد آخرون كما أوردت جريدة "الشرق" القطرية أن «المرض خطير، ويجب أخذ الاحتياطات ضده، وأنّ التغطية العالمية معقولة ومتناسبة مع شدة المرض»، منوهين إلى أنّ «الإعلام العربي المكتوب يتجاهل تغطية الكارثة التي وصلت خطورتها إلى الدرجة الخامسة على سلم مكون من ست درجات». من جهته، قال عبد الله سالم إنّه «لا يخشى على نفسه من الإصابة بفيروس أنفلونزا الخنازير، لأنَّ الأمراض صارت كالموضة– حسب تعبيره- كل يوم بلون، مرة سارس ومرة طيور وأخرى خنازير»، مشيراً إلى أنه «لم يعد يسمع اليوم عن السارس أو أنفلونزا الطيور بنشرات الأخبار التي كانت تنقل إلينا على مدار الساعة أخبار تلك الأمراض وفتكها المرتقب بالبشرية، وغداً ستتوقف المحطات عن بث معزوفة (الخنازير) لتبحث لها عن مرض آخر». أخطر من الفيروسات في ذات السياق، قال د. شريف إبراهيم، باحث في علم الفيروسات ل "الشرق" إنّه «في علم الفيروسات لا يستطيع أحد أن يتحكم فيما سيحدث، لأنّ تطور الفيروسات وتحورها غير معروف حتى الآن، ومن الصعوبة بمكان توقع ماذا يمكن أن يحدث مستقبلاً، والخطر الآن ليس من الفيروسات فقط بل مما هو أبعد من الفيروسات، فهناك ما هو أخطر وأدق من الفيروسات، لكن لا يسلط الضوء عليه آخرها ايبولا فيروس، حيث اكتشفوا جزيئا من DNA يسبب الأمراض، ولا يوجد حتى الآن ميكروسكوب إلكتروني، يحدد حتى الآن الجدار الخلوي، إذن هذه المرحلة ستكون لما بعد الفيروسات، للجزيئات الأدق بالحجم، والأشد بالوبائية، وهذا يتابعه المتخصصون، أما المشهور الآن على المستوى الشعبي، فهي الأمراض الفيروسية مثل أنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير». التقدم العلمي وأوضح د. شريف أنَّ «هناك علاقة طردية بين التقدم العلمي والتقني في اكتشاف الفيروس، وتحضير التحصين المضاد، وقدرة البشرية على مواجهة أيِّ نوع من الوبائية، فالأنفلونزا التي حدثت في بداية القرن الماضي بالعشرينيات أصابت 40 مليون إنسان، لأنّه وقتها لم يعرف أحد ما هو الفيروس، أما اليوم.. فالفيروس أصبح معروفاً من الناحية العلمية». تهويل غير مبرر ويرى د. شريف أنَّ «هناك حالة من التهويل غير المبرر بالنسبة لمرض أنفلونزا الخنازير، فلو كانت هنالك مصداقية حقيقية، وإرادة دولية لمواجهة مثل هذه الأمراض، لدفعت باتجاه الضغط على مراكز البحوث التابعة للشركات العالمية للأدوية، ولاستطاعت هذه المراكز أن تحيط علماً بالشفرة الوراثية الخاصة للفيروس المعزول، لأنّ الفيروس (H1N1)، وهو فيروس أنفلونزا الخنازير، فيروس معزول ومعروف، وتحضير التحصين المضاد لأيِّ فيروس معزول لا يحتاج إلى أكثر من ستة شهور، ثم كان يتوجب ترتيب برنامج تحصين للأماكن التي ظهرت فيها الحالات المرضية، مثل المكسيك والولايات المتحدة وإسبانيا، ومن بعد ذلك زيادة كمية التطعيم المنتج وتوزيعه على مستوى العالم». وتابع أنّ «الملاحظة الثانية هي أنّه حتى الآن لم يستفد المجتمع الدولي من تجربته مع أنفلونزا الطيور، لأنّه لم يستمع للعلماء من ناحية أنّه ليس المهم أنفلونزا الطيور، لكن المهم المرحلة الأخطر، وهي أنفلونزا الخنازير التي حذّر منها العلماء منذ 3 سنوات، قبل أن يتم التحول من الطيور إلى الإنسان والخنازير، فالدائرة مع الطيور ليست هي الأخطر، بل إصابة الخنازير أخطر على اعتبار أنّها قريبة الشبه العضوي والفيزيولوجي والنسيجي والخلوي مع خلايا الإنسان، وبالتالي احتمال تحور الفيروس من داخل الخنازير إلى الإنسان أكثر من تحور فيروس الطيور إلى الإنسان، وفي هذه اللحظة ماذا فعل المجتمع الدولي للحيلولة دون تحور الفيروس في مزارع الخنازير على مستوى العالم؟!... ليس الكثير». وسائل الإعلام وقال إنَّ «كافة وسائل الإعلام تتلقى الخبر من وكالات عالمية وحيدة المصدر، ليس لديها جهات أخرى تتلقى منها الخبر، ولدي أناس اتصلت بهم بالمكسيك، وقالوا لي إنّ (الحياة وردية، الناس واقفين وخائفين هذا صحيح، لكن تحت الضغط الدولي، ولكن أيضاً الحياة عادية بالمكسيك)». و ذكر أنَّ «الرعب ينتشر في العالم، وكل مسؤول صحة له حق أن يخاف لكن عليه إدراك الخريطة الوضعية الإقليمية لمنطقته، فمصر على سبيل المثال اتخذت الخطوات الصحيحة، لكن متأخرة جدا. فرئيس الدولة عندما قرر إعدام الخنازير، كان ذلك قراراً علمياً بحتاً، لماذا الآن وليس سابقاً؟... لأنَّ لديه اعتبارات اقتصادية واجتماعية، ولو تمّ السماع للخبراء الحقيقيين لكان يجب إبعاد مزارع الطيور عن مزارع الخنازير، حتى لا يكون التحور أسرع، كما أنّ مصر موجودة على الخريطة الوبائية لأنفلونزا الطيور وعندها تربية خنازير، وبالتالي هي بيئة مناسبة للتحور، وبالتالي كان قرار إعدام الخنازير صائباً لكن جاء متأخراً»، مضيفاً أنَّ «الأزمة مبنية على قاعدة علمية حقيقية، فالقاعدة العلمية تقول إنّه حصل تحور للفيروس، والفيروس خطير، وانتقل إلى الإنسان، هذا فيما يخص القاعدة العلمية، لكن ماذا يخص التعامل الجاد مع الحقيقة العلمية، هذا لم يحدث! فقد كان يجب تطويق الأماكن الموبوءة وتحضير المضادات مسبقاً، حيث لم يكن لينتشر الفيروس بهذه السرعة.. فمثلاً المكسيك أعلنت عن إصابة 200 شخص ثم تراجعت إلى 100 مصاب.. وبالتالي ليس هناك جدية بالتعامل مع الوباء». الكيانات الاقتصادية وأشار د. شريف أنّه «علينا ألا ننسى الكيانات الاقتصادية المستفيدة من الأزمات العالمية الصحية التي تقع في نطاق الوبائية مثل بعض شركات الأدوية التي باعت وفقاً لإحصائيات غير رسمية بمليار دولار مضادات ضد أنفلونزا الخنازير، وشركات المستحضرات الطبية، وشركات المنتجات الكيماوية والمطهرات والأقنعة». لا توجد مبالغة من جهتها، لا ترى د. شعاع اليوسف في كلية العلوم بجامعة قطر أنَّ «هناك رعباً مبالغ فيه على الفضائيات، فالمفروض أن تكون هناك احتياطات أكبر للمرض، لأنّ الفيروس يطور نفسه بطريقة كبيرة وسريعة، ومعد بشكل أكبر من الفيروسات التي سبقته». وأضافت «أنصح الأفراد بالاهتمام بالمرض بشكل أكبر مثل تقليل سفرهم وتنقلاتهم وعدم التواجد بالتجمعات المغلقة كالسينمات والمجمعات التجارية، والبحث عن الأماكن المفتوحة للتنزه وتهوية المنزل وتعريضه للشمس». وذكرت أنه «ليس كل من سيصاب بالمرض سيموت، ربما 3% فقط ممن سيصابون قد يموتون، لكن أعراض المرض مزعجة مثل الإسهال والقيء والإغماء والتشنجات، كما لدينا العادات الاجتماعية السيئة التي تسرع في انتقال الأمراض كالتقبيل.. هذه العادة سيئة جداً وتنقل الأمراض، وهذا الفيروس من الممكن أن ينتقل من على بعد مترين». ونوّهت اليوسف إلى أنّ «التغطية الإعلامية المكتوبة قليلة في الجرائد». وقالت «أشعر بلامبالاة بالمرض من قبل الجمهور، لكنني أعتقد أنّه يجب أخذ الفيروس على محمل الجد، فهو ليس مثل أي فيروس عادي بل أشد شراسة».