الجمهورية :21/4/2009 الأمن القومي المصري خط أحمر غير مسموح لفرد أو جماعة أو دولة باختراقه. هذه حقيقة ثابتة في الوجدان الوطني لكل مصري وهي أيضاً عقيدة وطنية بذل الشعب المصري في سبيلها الكثير من دمائه الغالية. واجه بهذه العقيدة كل الغزاة قديماً وحديثاً.. وكانت العلم الذي خاض تحت لوائه ثوراته المتعددة عبر العصور. والشعب المصري هو أول شعب في الشرق الأوسط يصبح له نشيد وطني.. وقبل هذا النشيد الوطني كانت له أناشيده المتعددة التي خاض بها ثورة 1919 وثورة 1952 وما بينهما من انتفاضات ضد المستعمرين وثورات الشعب المصري هي التي أحيت في شعوب أخري القدرة علي الثورة لتحرير بلادها. والفلاح المصري القديم عرف أمنه الوطني في الزرع والحصاد وهذا جعله يرفع النيل إلي مرتبة الآلهة.. والمصريون منذ أزمنة بعيدة يطلبون في صلواتهم من الله أن يسبغ الفرحة علي وجه الأرض أي فرحة الخير الوفير.. والأرض هي الوطن. والفلاح المصري القديم هو أول من حمل السلاح في جيش نظامي للدفاع عن حدود بلاده. فهل كان من الضروري أن ينطلق هذا التحذير هذه الأيام.. خاصة وان حرمة الأمن القومي قضية تخص كل بلد مستقل ذات سيادة؟ لقد جاء هذا التحذير وهو الأمن المصري خط أحمر بعد ضبط خلية حزب الله فوق الأراضي المصرية.. وخطورته انه يأتي من طرف عربي يضعه التصنيف القومي في دائرة الحلفاء. أو هذا هو المفترض في واقع الحال العربي. وربما لم يكن الإعلان عن ضبط خلية حزب الله فوق الأراضي المصرية مفاجأة كاملة خاصة بعد خطاب الشيخ حسن نصر الله زعيم الحزب خلال العدوان الإسرائيلي علي غزة الذي حرض فيه الجيش والشعب المصريين ضد النظام. أي بعد أن امتد بالتدخل الفج إلي أكثر المناطق حساسية وأخطرها بالنسبة للاستقرار والأمن في مصر.. ان أبسط ما نصف به هذه الواقعة انه عمل غير ودي وغير صديق من جانب حزب الله.. عمل الكثير من التصورات الهادئة لتحل مكانها مخاوف مؤلمة. وإذا كانت مصر قادرة علي احتوائها بحسم إلا انها تشكل علامة خطر جديد لا نعرف إلي أين يمكن أن يؤدي بالأمة العربية. شيخ حسن نصر الله قاد معركة شجاعة ضد القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان عام ..2006 ونال اعجاب العرب ووضعته الصحافة في مصاف الأبطال. ولأن قضية الانتصار علي إسرائيل هي قضية محورية في الحال العربي الراهن.. لم يشأ أحد خلال معركة الشيخ حسن نصر الله ضد القوات الإسرائيلية أن يخرج من تحت الغطاء جوانب أخري تخدش الصورة التي أحببناها في ذلك الوقت. لم يقل أحد وقتذاك انه أقام دولة مسلحة باسم حزب الله "عاصمتها" الضاحية الجنوبية في بيروت.. أي انه أقام دولة له داخل الدولة اللبنانية. لم يقل أحد انه اختزل الوطنية اللبنانية في حزب الله وحده متناسياً ان لبنان وطن واحد لمسلميه ومسيحييه ودروزه. ولم يقل أحد انه اختزل الإسلام في الشيعة فقط متناسياً ان لبنان وطن للسنة وللشيعة معاً. والتاريخ يذكر ان حزب الله تعمد بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية تهميش حركة أمل الشيعية بقوة السلاح والترهيب ليكون هو الممثل الوحيد للشيعة وليكون هو وحده الجيش الآخر المسلح تسليحاً ثقيلاً داخل لبنان. وقلنا هذا شأن لبناني لا يحق لأحد أن يتناوله ثقة في أن الشعب اللبناني قادر في وقت ما علي تأكيد سيادته الوطنية تحت علم واحد وجيش واحد. وكان لابد وأن يطرح البعض هذا السؤال: هل من يفعل ذلك في وطنه يصبح غريباً عليه أن يستبيح أمن بلد آخر ويستخدمه مخزناً للمتفجرات؟! الشيخ حسن نصر الله يقول ان دوافعه في ذلك هي دوافع نبيلة وهي نقل السلاح إلي غزة. ونقول ان نقل السلاح إلي الفلسطينيين في غزة هو عمل يحسب لصاحبه ولكن دون أن يكون مقترناً باختراق أراضي دولة أخري ذات سيادة ودون تجنيد مصريين سراً وتدريب آخرين علي استخدام المتفجرات وإعداد الأحزمة الناسفة كما تقول اعترافات بعض المقبوض عليهم. والذي أثار استياء المصريين وربما غضبهم هو التحدي الذي ظهر به الشيخ حسن نصر الله في الفضائيات ليعلن ان أحد رجاله مكلف بهذا العمل الذي هو وسام علي صدره. ان الوسام مستحق إذا كان هذا العمل لا ينطوي بمقدار شعرة واحدة علي توريط مصر في موقف لا علم لها به وقيل انه انتهاك لسيادتها فإنه قد يجرها إلي تداعيات خطيرة هي غير مستعدة لها. تري هل غابت عن الشيخ حسن نصر الله مهارة السياسة ودبلوماسية الموقف الطارئ فلم يحرص علي احتواء الموقف دون التحدي بالتفاخر به؟. أم انه كان لابد "للسيناريو" أن يتواصل عندما بادرت كل من إيران وحركة حماس إلي مناصرة حزب الله والهجوم علي النظام في مصر.. وواضح ان الموقف المنسق مع القانون الدولي لا يعجب كلا من إيران وحماس! هنا لابد من طرح سؤال مهم وهو: هل قدمت إيران للقضية الفلسطينية واحداً علي الألف مما قدمته مصر؟ وهل قدمت حماس من الشهداء مثلما قدمت مصر؟ وهذا لا يقلل بأي حال من احترامنا الكامل لشهداء حماس الذين تصدوا للعدوان الإسرائيلي بشجاعة كبيرة. والسؤال لماذا يقع حزب الله في خطأ جسيم وكأنه يتنازل عن بطولة سابقة يشهد الجميع بها.. وذلك بعمل فيه من استعراض الزعامة أكثر مما فيه من تقوية ودعم العمل العربي المشترك ضد السياسة الإسرائيلية العدوانية؟ ألم يفكر الشيخ حسن نصر الله لحظة في أن زرع خلية لحزبه العسكري في مصر من وراء ظهر حكومتها وشعبها من شأنه أن يجعله يخسر مكانة طيبة كان يحظي بها؟ هل هو الشعور المفرط بالزعامة أو الفوقية التي تلبس الزعيم والقائد والمنظر لأي حزب أو تنظيم عسكري خاصة إذا كان هذا الحزب أو التنظيم يرتدي لباس الدين الذي له جلاله واحترامه؟ عبر التاريخ لم تنجح التنظيمات والأحزاب بل والأنظمة التي أقحمت الدين في السياسة أو لعبت السياسة باسم الدين لأن الدين بسماحته وإنسانيته وحسن مقاصده يتعارض مع العمليات السرية والتعامل بالمتفجرات وتصفية المخالفين له بالقتل واللجوء إلي المغالاة ليحقق أهدافه. وكثيراً ما تحولت التنظيمات والأحزاب والجماعات القائمة علي أفكار عنصرية أو طائفية إلي التطرف ومنه إلي الإرهاب. لأن السلاح في أيدي أفراد يتحركون بالطاعة العمياء والفكر المغلق من السهل أن يتحول في لحظات إلي أداة قتل بارد. ونفس الشيء بالنسبة للنظم الحاكمة. عندما تولي هتلر السلطة في ألمانيا في النصف الأول من القرن العشرين وأقام نظامه الفاشي الرهيب قال في غرور جامح: انه يقيم نظاماً سيعيش ألفي عام.. وانتهي هذا النظام بهزيمة حربية ساحقة بعد 13 عاماً فقط بل ان هتلر نفسه انتحر في مخبأ تحت الأرض. "نحن جميعاً" مطالبون بأن نكون علي درجة عالية من الوعي لحماية أمن مصر القومي.. أن نجعله عملاً وقولاً خطاً أحمر يستحيل اختراقه.. وحماية أمن مصر القومي هو ترسيخ لوحدة الوطن وتلاحم أبنائه وفتح كل الطرق أمام الابداع بكل أنواعه. نحن من أجل ذلك مطالبون برؤية جديدة لحماية أمننا القومي.. أولها أن يشعر المواطن المصري بالطمأنينة في حياته.. يجد حقه في عمل وأجر مناسب ولا يخاف كيف يكون مستقبل أولاده.. وأن يسكن خارج المقابر والعشوائيات وبعيداً عن برك الصرف الصحي. أن يشعر كل مواطن مصري ان وطنه يعطيه بقدر حرصه علي أمانه وسيادته.. وما أعظم ما يستطيع المصريون تقديمه من أجل مصر. المواطن المصري يود ألا يري فساداً يأخذ منه عرق يومه.. ويسرق قوته ويلوث طعامه ويسلبه جلبابه ويطمس الحروف في كتب أبنائه. المواطن المصري هو جندي شجاع بالسلاح وبالعقل وبالعمل وبالابداع في منظومة الوطنية المصرية فهو الحارس الحقيقي والكبير للخط الأحمر.