الجمهورية :14/4/2009 يمارس القراصنة الصوماليون نشاطهم في المياه المطلة علي سواحل بلادهم والتي تمتد لنحو 1800 ميل في حرية تامة دون رقيب أو رادع. وعلي مرأي ومسمع من القطع البحرية الدولية التي أرسلت إلي المنطقة لمواجهة نشاط هؤلاء القراصنة والقضاء عليهم. وأصبح هذا النشاط يشكل خطراً كبيراً علي حركة الملاحة والتجارة الدولية في منطقة القرن الأفريقي ويهدد بتوقفها أو علي أقل تقدير بتحويل خطوط الملاحة البحرية بعيداً عن هذه المنطقة بحثاً عن مسارات آمنة للسفن التجارية. ومن المؤكد أن ذلك سيؤثر سلباً علي قناة السويس وإيراداتها لتكتمل منظومة المصائب التي ستحل علينا بسبب الأزمة المالية العالمية التي بدأت آثارها المبدئية تظهر جلياً ولا يستطيع أحد إنكارها أو تجاهلها. الموقف الدولي مائع وغامض تجاه هؤلاء القراصنة الذين لا يتجاوز عددهم بضع مئات من الذين أفرزتهم الحروب الطاحنة والصراع القبلي في الصومال. ولا أجد تفسيراً لتقاعس المجتمع الدولي عن مواجهة هؤلاء القراصنة الذين يتخذون من جزيرة صغيرة علي السواحل الصومالية مأوي لهم هي جزيرة إيل في المنطقة التي تعرف حالياً ببلاد بونت "بونت لاند". وأتساءل: هل هناك من يقف وراءهم ويساندهم ويمدهم بالأسلحة والقوارب السريعة ويوفر لهم الأمان رغم القوانين الدولية التي تجرم عمليات القرصنة البحرية وتدعو جميع الدول للتكاتف والتحالف لمواجهتها في أي مكان في العالم. ورغم أن مجلس الأمن قام العام الماضي بتخويل الدول الأجنبية باستخدام سفنها الحربية في المياه الإقليمية الصومالية لمحاربة القراصنة هناك.. وتخويل الدول باستخدام كافة السبل المتاحة لمكافحة هذا النشاط الإجرامي؟! وحتي الآن لا يوجد موقف دولي حاسم وموحد لإنهاء هذه المشكلة التي لا تحتاج لأكثر من فرقة عسكرية واحدة للقضاء عليهم. هل دولة القراصنة أقوي من العراق التي اجتاحتها وخربتها الولاياتالمتحدةالأمريكية وذيولها بحجة امتلاكها السلاح النووي.. وهل حفنة من المشردين في بلد منهار.. أقوي من طالبان التي أزاحتها أيضاً الولاياتالمتحدة من حكم أفغانستان وألجأت ميليشياتها إلي الجبال؟! وهل المجتمع الدولي لا يستطيع العمل علي إعادة الأمن والنظام في هذا البلد الذي أرهقته الحروب الطاحنة والمجاعات؟! وأين هي السفن الحربية الأمريكية والأوروبية والآسيوية التي تقوم بحراسة منطقة القرن الأفريقي والقيام بدوريات متواصلة علي طول السواحل الصومالية منذ أواخر العام الماضي؟! لقد استشرت عمليات القرصنة البحرية وتنامت بسبب السواحل الممتدة لمسافات طويلة علي خليج عدن والمحيط الهندي وذلك منذ ما يقرب من 20 عاماً عندما انهار النظام المركزي في الصومال عام 1991 وتبع ذلك اندلاع الحرب بين الفرق المتنازعة هناك والتي أدت إلي تقسيم الصومال إلي ما يعرف بجمهورية أرض الصومال "صومالي لاند" شمال غرب الصومال. والذي كان يعرف بالصومال البريطاني وجمهورية بلاد بونت "بونت لاند" التي أعلنها العقيد عبدالله يوسف عام 1998 وتقع شمال شرق الصومال وبقي جنوب ووسط الصومال الذي يعرف باسم الصومال الإيطالي متشرذماً يعاني من الصراع القبلي. ونتيجة هذا الانهيار وغياب الرقابة علي السواحل تحول بعض الصيادين الصوماليين من صيد الأسماك إلي صيد السفن التجارية وسفن تصيد المارة في المنطقة والتي تدر عليهم دخلاً خيالياً نتيجة دفع الفدية التي تقدر بملايين الدولارات. في حين أن مهنة الصيد كانت لا تدر عليهم سوي بضع دولارات بعد عناء ساعات وأيام.. وكانت حجتهم في هذا التحول أن سفن الصيد الدولية تنافسهم في الصيد بالمنطقة الغنية بالأسماك وتهددهم في رزقهم.. وقد انضم إليهم بعض الشباب الصومالي المغامر ليشكلوا إمبراطورية القراصنة في جزيرة إيل وهي منطقة وعرة علي ساحل ما يعرف بجمهورية بونت لاند. وقد ساعدتهم الأموال التي حصلوا عليها كفدية لإطلاق سراح السفن في تجهيز أنفسهم والتسلح بالأسلحة الحديثة والقوارب السريعة والسفن الأم التي تنطلق منها هجماتهم. وأجهزة الاتصالات الحديثة التي يتواصلون مع بعضهم بها.. ومع كل هذا فإن الأمر ليس صعباً للقضاء عليهم نهائياً. ولكن هناك شيئاً غامضاً في استمرار هذا النشاط علي مدي عقدين وتطوره بدلاً من القضاء عليه؟! وإذا كان هناك من يقف وراء هؤلاء القراصنة فإنه سيأتي يوم ينقلب فيه السحر علي الساحر في لعبته غير المضمونة. فكثيراً ما قامت القوي الاستعمارية الحديثة بتبني أنظمة وتنظيمات لخدمة مصالحها وفي النهاية انقلبت عليه. وخير مثال لذلك تنظيم القاعدة الذي نشأ وترعرع في كنف الولاياتالمتحدة لمحاربة الاتحاد السوفيتي "سابقاً" في أفغانستان. ثم انقلب القاعدة علي راعيه ومازال يكويه بناره بين الحين والآخر. ورغم أنني علي يقين من أن المجتمع الدولي سيظل علي موقفه المائع تجاه هذه المشكلة إلا أنني أري الحل لها هو العمل علي إعادة النظام المركزي للصومال وتوحيدها في كيان قانوني شرعي واحد يستطيع إعادة الأمن والاستقرار للبلاد ويراقب سواحله ويقضي علي أي نشاط غير قانوني سواء علي الساحل أو في الداخل. وأعتقد أن المجتمع الدولي لن يعمل علي تحقيق ذلك خاصة دول الغرب التي تري أن من مصلحتها تمزيق المنطقة وتقطيع أوصالها بدءاً من الصومال ومروراً بالسودان والبقية تأتي