مماطلة الدول الاوربية أو رفضها غير المباشر لانضمام تركيا للاتحاد الاوروبي كان موضع تفسيرات عديدة خلال السنوات الماضية ومحل خلاف بين الدول الاعضاء فى الاتحاد. وبالعودة الى الوراء قليلا يبدو شعور بان تركيا لا تمثل دولة بقدر ما تمثله من بقايا الخلافة العثمانية وصراعها القديم مع أوروبا وهويتها الاسلامية، فبرغم مما تدعيه تركيا من انها دولة علمانية وتنص على ذلك فى دستورها، الا ان الهوية التركية من الداخل هى هوية اسلامية ويعتبرها الاوربيون علمانية غير مكتملة الاركان. فبعد انهيار الخلافة الاسلامية فى تركيا ظهر كمال أتاتورك ليدعو إلى نزع كل ما له علاقة بالدولة العثمانية والإسلام والخلافة، ونادى بالانضمام إلى أوروبا للوصول إلى التطور، مما جعل تركيا دولة بدون هوية حقيقية، فهل هى دولة إسلامية أم دولة أوربية علمانية، ومنذ ذلك الحين بدأت المحاولات التركية فى الانضمام إلى الصف الأوروبي. وحتى تتمكن تركيا من الانضمام وضع الاوربيون عراقيل كثيرة امام الدولة شبه العلمانية واشترطت دول الاتحاد الاوروبي عدة شروط على الحكومة التركية وهى قيام تركيا بعملية إصلاح سياسي واقتصادي، وتحسين سجلها فى مجال حقوق الإنسان وتحسين معامله الأقليات وخاصة الأكراد، بالاضافة الى تسويه النزاع مع اليونان حول بحر ايجا وذلك عن طريق اللجوء إلى محكمه العدل الدولية لتسويه النزاع والفصل فيه، ودعم جهود الوساطة من جانب الولاياتالمتحدة في القضية القبرصية، وعدم معارضة عضويه قبرص في الاتحاد، وانضمام القبارصة الأتراك إلى القبارصة اليونانيين أثناء محادثات قبرص للانضمام إلى الاتحاد الاوروبى. وبالرغم مما قامت به تركيا من اصلاحات سياسية واجتماعية كبيرة حتى وصلت الى أمور دينية غاية فى الخطورة منها قضية الحجاب وأئمة المساجد والدراسة الدينية وتجريم الزنا بحجّة أنّ انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يتطلب مزيدا من الحرية والديمقراطية والانفتاح والإصلاح، الا ان دول الاتحاد الاوروبي مازالت تماطل تركيا فى شأن انضمامها للاتحاد. ولكن ما هو الذي يجعل من دول الاتحاد الاوروبي تماطل الى هذا الحد أو تعترض على انضمام تركيا للاتحاد وما هو الأسباب التى تثير القلق فى قلوب الشعوب الاوروبية من انضمام تركيا؟ السبب الأول هو العنصرية الدينية داخل الاتحاد الاوروبي فبرغم ما تدعيه دول أوروبا من انها دول علمانية الا انها فى النهاية تحمل الهوية المسيحية داخل دساتيرها وداخل قلوب شعوبها فالعديد من المسئولين الاوربيين يعتبرون الاتحاد الاوروبي "نادي مسيحي" ولا يمكن لدولة تحمل طابعا اسلاميا او تاريخا اسلاميا ان تكون عضوا داخل هذا النادي، وخير مثال على ذلك تصريح الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران الذى أعلن صراحة أن الاتحاد الاوروبى لا يمكن ان يقبل دوله اسلاميه بداخله. وبالرغم من سعي دول الاتحاد الأوروبي للتبرؤ من تهمة العنصرية الدينية وتأكيد أنه لا توجد حساسية من ضم دولة إسلامية للاتحاد، فقد ظلت عدة دول، مثل بولندا وإيطاليا تحاول قبل إقرار الدستور الأوروبي الأخير تضمينه عبارة "الطابع المسيحي للاتحاد الأوروبي"، ومطالبة وزيرة الخارجية الأسبانية آنا بلاثيو ب"إبراز " الميراث المسيحي دون استثناء "الديانتين اليهودية والاسلامية" في مشروع الدستور الأوروبي، إلا أن معارضة عدد كبير من الدول، بينها فرنسا، كانت قوية جداً، فغاب ذكر المسيحية بنص الدستور، وتوصلت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق حول أول دستور للاتحاد لم يتضمن إشارة للمسيحية، ولكنهم مع ذلك أشاروا في الدستور إلى "الميراث الثقافي والديني لأوروبا التي ما زالت قيمها موجودة في تراثها". أما السبب الثاني فهو الخوف من أن تتبوأ تركيا مركزا قياديا داخل الاتّحاد الأوروبي بصبغتها الإسلامية، بحيث تصبح مرجعية لجميع المسلمين في الاتحاد الأوروبي تتبنى مطالبهم ويصبون جهودهم لصالحها وهذا ما يفسر التناقض المستمر في المنهج الأوروبي للتعامل مع الحالة الإسلامية التركية وثالثا الناحية الديمغرافية لتركيا المتمثل ب70 مليون نسمة و هو ما يعطي تركيا ثقلا كبيرا على الصعيد البشري و يؤدي في حال انضمامها لأوروبا إلى السيطرة على سوق العمالة أولا والتغلغل في الدول الأوروبية التي تعاني من نقص في السكان أصلا و بالتالي تغيير المعادلات الديمغرافية الداخلية للدول الأوروبية ثانيا. والسبب الرابع وهو الاهم "الهوية الاسلامية للشعب التركي" فعلى الرغم من علمانية الدولة، الا ان الشعب التركي بداخله الهوية الاسلامية وهو ما لا بدّ أن يكون له تأثير على سكان الدول الأوروبية، لا سيما وأن دراسات كبيرة أشارت بعد 11أسبتمبر/يلول قالت أن هناك تزايدا كبيرا ومضطردا من قبل المعتنقين للدين الإسلامي والمطّلعين عليه وخاصة في ألمانياوفرنسا وبلجيكا وهولندا وبريطانيا وهي دول رئيسية ومحورية في أوروبا. وخامس هذه الاسباب هو الخوف من ان تكون تركيا احد مخالب الولاياتالمتحدة داخل الاتحاد الاوروبي وتجعل من أمريكا دولة أقوى تأثيرا على قرارات الاتحاد الاوروبي، ومما يؤكد هذا للأوروبيين هو مساعدة الولاياتالمتحدة لتركيا فى الحصول على عضوية الاتحاد الاوروبي نظير خدماتها الاستراتيجية الفعالة لواشنطن في المنطقة. بالاضافة الى ذلك هناك سبب أخير وهو البطالة والفقر الموجودان في تركيا فان الاتحاد الاوروبى لا يستطع إن يتحمل تكاليف معيشة 70 مليون تركي وهذا العدد الكبير قد يؤدى إلى مشاكل عديدة للدول الاوروبيه الأخرى مثل الفقر والبطالة. ويبدو لنا من خلال هذه الاسباب العديدة ان انضمام تركيا شىء من الخيال ، الا ان الاتّحاد الأوروبي وإن رفض تركيا، فإنه لن يعلن هذا الرفض بطريقة مباشرة لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى مضاعفات سلبية خطيرة خاصة وأنّ تركيا تملك الكثير من الأوراق التي تستطيع أن تستخدمها فيما بعد في حال رفضها وبدون مبررات، أبرزها الموقع الاستراتيجي لتركيا لأنها تعتبر احد البوابات الشرقية لأوروبا، ودورها فى منطقة الشرق الاوسط، وعلاقاتها مع الولاياتالمتحدة، بالاضافة الى انه تعتبر احد الاسواق المفتوحة امام المنتجات الاوربية. لذا فإن الاتّحاد الأوروبي قد يلجأ إلى طرق التفافية لرفض عضوية تركيا منها إعطاء منصب فخري لتركيا في الاتحاد الأوروبي دون اعتبارها شريكا كاملا، أو رمي الحكومات الأوروبية وعلى رأسها فرنساوألمانيا الكرة في ملعب شعوبها عن طريق اشتراط إجراء استفتاء شعبي لدى بعض بلدان الاتحاد الأوروبي لتحديد رأيهم في قبول أو رفض دخول تركيا، مع علمهم المسبق بأن الاستفتاء سيؤدي إلى رفض دخول تركيا الاتحاد لأسباب نفسية وتاريخية راسخة في ذهن الشعوب الأوروبية.