الوفديون يتوافدون على ضريح سعد زغلول قبل احتفالية ذكرى رحيل زعماءه التاريخيين    الجندي يشدد على ضرورة تطوير أساليب إعداد وإخراج المحتوى العلمي لمجمع البحوث الإسلاميَّة    غرفة الجيزة التجارية تستعرض الاستعدادات النهائية لمعارض «أهلًا مدارس»    شهداء وجرحى بنيران الاحتلال أثناء انتظارهم الحصول على المساعدات جنوب قطاع غزة    باكستان تثمن الجهود المصرية لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة    زلزال بقوة 6 درجات يضرب المحيط الهادئ قبالة سواحل السلفادور وجواتيمالا    موعد مباراة الزمالك وفاركو في الدوري الممتاز والقناة الناقلة    توجيهات بالتنسيق مع إحدى الشركات لإقامة ملعب قانونى لكرة القدم بمركز شباب النصراب في أسوان    «هذا لا يقلقني».. تصريح مفاجئ من تشابي ألونسو عن برشلونة    بعد تغيبه يوما عن منزله، تفاصيل العثور على جثة الطفل يوسف بالأقصر    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    صلاح عبد العاطي: إسرائيل تماطل في المفاوضات ومصر تكثف جهودها لوقف إطلاق النار    داعية: سيدنا النبي لم يكن عابسًا وكان مُتبَلِّجَ الوجه    حالة الطقس في محافظة الفيوم غدا الأحد 24-8-2025    بحوث الصحراء.. دعم فني وإرشادي لمزارعي التجمعات الزراعية في سيناء    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    15 صورة.. البابا تواضروس يدشن كنيسة الشهيد مارمينا بفلمنج شرق الإسكندرية    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    إسماعيل يوسف مديرا لشؤون الكرة في الاتحاد الليبي    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    الداخلية تكشف ملابسات اعتداء "سايس" على قائد دراجة نارية بالقاهرة    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    منال عوض تناقش استعدادات استضافة مؤتمر الأطراف ال24 لحماية بيئة البحر الأبيض المتوسط من التلوث    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    «عامل وفني ومدرس».. إتاحة 267 فرصة عمل بالقليوبية (تفاصيل)    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    قافلة حياة كريمة تقدم خدماتها الطبية المجانية لأكثر من 1050 مواطنا بقرية عزاقة في المنيا    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    حملة مكبرة لإزالة إشغالات الباعة الجائلين والتعديات على الطريق بمدينة أبوتيج بأسيوط    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    "يونيسيف" تطالب إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها والسماح بدخول المساعدات بالكميات اللازمة لغزة    «100 يوم صحة» تقدم 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصريون.. وثقافة الرشوة
نشر في أخبار مصر يوم 03 - 04 - 2009


الجمهورية: 3/4/2009
بعيداً عن جريمة الرشوة الكبري التي تم الكشف عنها في وزارة الإسكان منذ أيام والتي كانت ستهدر فيها مئات الملايين من المال العام مقابل حفنة من المال الحرام.. لابد أن نعترف في شجاعة بأن تعدد الأجهزة الرقابية في مصر والعقوبات القاسية التي توقع علي من يضبط من المرتشين لم تحد من جرائم الرشوة في بلادنا.
فكل يوم تحدث العشرات وربما المئات من جرائم الرشوة في كل أجهزة الدولة من وزارات وأجهزة حكم محلي وهيئات ومؤسسات رسمية دون أن تصل يد العدالة إلي المنحرفين وضعاف النفوس ومعدومي الضمير الذين يهدرون الملايين مما تبقي من المال العام مقابل بضعة آلاف تدخل بطونهم ناراً حامية.
جرائم الرشوة اليومية التي تحدث في مصر والتي لا يضبط منها وفقاً لبعض التقارير سوي ثلاثة في المائة "3%" فقط لا يتحمل وزرها المنحرفون من الموظفين الذين أدمنوا المال الحرام وحدهم.. ولا تسأل عنها الأجهزة الرقابية فقط.. بل نتحمل "نحن" وزرها الأكبر. لأننا تعودنا علي قضاء مصالحنا وإنجاز أعمالنا مقابل رشوة صريحة أو رشوة مغلفة في صورة هدية أو إكرامية.
أو اللجوء إلي صاحب نفوذ لكي يحصل لنا علي امتيازات أو استثناءات خاصة تفضلنا علي غيرنا وتشبع رغباتنا المحمومة في التميز علي بقية خلق الله.
صاحب الشركة الذي أبلغ هيئة الرقابة الإدارية بواقعة الرشوة في وزارة الإسكان هو للأسف حالة شاذة بين رؤساء الشركات والمواطنين الذين تعودوا علي أخذ ما يريدون من أراضي الدولة مقابل رشوة.. فمعظم أراضي الدولة أهدرت ووزعت علي شركات وأفراد لا يستحقونها. والذين أعطوها لهم حصلوا علي المقابل.
والجريمة التي تحقق فيها النيابة الآن في وزارة الإسكان ليست الأولي. ولو فتح وزير الإسكان الحالي ملفات الشركات والأفراد الذين حصلوا في أوقات سابقة علي ملايين الأمتار من أراضي الدولة دون وجه حق ودفعوا فيها ملاليم وباعوها بعشرات الملايين فسوف يتم إعدام آلاف الموظفين من العاملين في وزارة الإسكان.
****
نعود إلي قضيتنا الأساسية هنا وهي ثقافة الرشوة التي شاعت بيننا في مصر ونؤكد أننا المسئول الأول عن انتشار هذا الوباء الذي استشري في كل قطاعات الدولة.
فليس من المعقول أن يجلس مخبر أو ضابط أو مفتش أو مراقب مالي وإداري إلي جوار كل موظف معدوم الضمير خاصة أن بعض الذين تورطوا في جرائم فساد ومدوا أياديهم إلي الحرام سمعتهم بين الناس لم تكن سيئة وسجلهم الوظيفي لا يوجد به ما يوحي بفسادهم وانحرافهم..
أجهزة الرقابة تقوم بواجبها وإن كنا نطالبها بالمزيد من الجهد لملاحقة هؤلاء الفاسدين.
المهم أن نقوم "نحن المواطنين" بواجبنا ونكف عن الطمع فيما تبقي من المال العام.. المهم أن نتخلي نحن عن طلب مزايا أو استثناءات مخالفة لما تنص عليه القوانين واللوائح والأنظمة المعمول بها.. المهم أن نقف في الطابور مع البسطاء لقضاء مصالحنا ولا نلجأ دائماً إلي الدخول من الأبواب الخلفية.. والأهم من كل ذلك أن نصر علي أخذ حقوقنا بالقانون وأن نتظلم من أي مسئول يتعمد تعطيل مصالحنا وإهدار حقوقنا وتمييز الآخرين علينا.
نحن الذين ساعدنا المرتشين علي التكاثر.. نحن الذين أعطيناهم الفرصة لاستغلالنا.. نحن الذين مددنا أيادينا لهم بالمال الحرام وأرسلنا لهم الرشاوي مع وسطاء السوء وبعثنا بالهدايا إلي منازلهم.
الرشوة تبدأ في بلادنا بنصف جنيه نعطيه لعسكري المرور لكي يتركنا نقف في مكان ممنوع.. الرشوة نقدمها في صورة "سيجارة" لموظف يقضي لنا مصلحة مفروض عليه أن يقضيها.. ولا فرق بين الخمسين قرشاً التي نقدمها لعسكري المرور وبين المليون جنيه أو أكثر التي نقدمها لمسئول كبير لكي تعود علينا في النهاية بعشرات الملايين.
معظم الهدايا التي تقدم لكبار المسئولين وصغارهم هي رشوة محرمة في نظر الشرع والقانون.. هي في نظر مقدمها رشوة.. وفي نظر متلقيها رشوة.. ومع ذلك لايزال كبار الموظفين وصغارهم يتلقون الرشاوي في صورة هدايا يومياً وعيني عينك.. إذن نحن الذين نساعد علي نشر هذا البلاء في بلادنا.
****
المصريون لا يكتفون بسيطرة ثقافة الرشوة علي تعاملاتهم اليومية داخل مصر. بل لجأ بعضهم للأسف إلي نقل هذا السلوك المشين إلي خارج حدود الوطن وغلفوها كالعادة بأغلفة مزيفة حتي في تعاملات ينبغي أن تظل بعيدة عن كل ما هو حرام أو يحمل شبهة حرام.
مازالت أذكر بمرارة ما حدث معي منذ عامين تقريباً خلال إجراء جراحة كبيرة لزراعة كبد في إحدي الدول الأسيوية حيث سددت ثمن الجراحة بالكامل في خزينة المستشفي وانتظرت دوري لإجراء الجراحة الخطيرة ثم فوجئت بمريض آخر من وطن العزير ويحمل نفس مواصفاتي وفصيلتي يقتنص دوري. وحاولت التعرف علي السبب من إدارة المستشفي دون فائدة حيث رددوا علي أسماعي مبررات وهمية غير مقنعة وسلمت أمري لله وانتظرت.
بعد إجراء الجراحة علمت من عدد من المرضي المصريين الذين كان يكتظ بهم المستشفي في ذلك الوقت أن كبير الجراحين يتقبل رشاوي وأن الذين علموه ذلك هم المصريون حيث يذهب كل مريض أو مرافقه للطبيب ويلتقي به في غرفته بعيداً عن عيون الجميع ويشكره علي اهتمامه به ويتأسف له علي عدم تمكنه من إحضار هدية مناسبة لأولاده من مصر ثم يقدم له مظروفاً به ألف أو اثنان أو ثلاثة أو خمسة من الدولارات ويقول له "هذا ثمن هدية متواضعة لأولادك أرجو أن تختارها أنت لهم"..!!
سألت أحد المرضي الذين دفعوا رشوة للطبيب: ما الذي سيقدمه لك هذا الطبيب إضافياً مقابل هذه الرشوة؟
اندهش صديقي العزيز رحمة الله عليه من سؤالي الساذج وقال تلقائياً: أولاً: لن أنتظر كثيراً علي قائمة المنتظرين.. ثانياً: سيختار لي الطبيب كبداً جديداً من الأكباد التي تصل إلي المستشفي.. ثالثاً: سيجري لي الجراحة بعناية فائقة.. رابعاً: سيرعاني رعاية خاصة بعد الجراحة.. خامساً: بيده أن يبقيني بالمستشفي فترة أطول بعد الجراحة حتي أخرج وأسافر لأسرتي في حالة مطمئنة..
ثم ختم المريض المصري الذي سافر آلاف الأميال لإجراء جراحة خطيرة خارج حدود الوطن ومن خلفه دعوات المئات من أفراد أسرته وأصدقائه وزملائه اعترافه الخطير قائلاً: كل هذا مقابل ألفي دولار.. كيف فوَّتَ علي نفسك هذه الفرصة الذهبية؟!
وهكذا.. أصبحت الرشوة في إجراء جراحة خطيرة في نظر بعض المصريين فرصة ذهبية!!
ادعو الله معي أن يتغمد هذا المريض "الراشي" بواسع رحمته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.