نجحت الأزمة المالية العالمية في اطفاء بريق الحلم الامريكي في عيون شباب الهند الذي ظل لعقود ينظر للولايات المتحدة على انها أرض الفرص فكان حلم شباب الدولة الاسيوية الواعد يحوم حول الحصول على درجة علمية من جامعة أمريكية مرموقة ثم وظيفة في وول ستريت أو وادي السيليكون. وبحسب بيانات السفارة الامريكية في نيودلهي، ظل الهنود حتى عام 2001 يتصدرون الطلاب الأجانب في جامعات أمريكيا حيث كانوا يمثلون نسبة 15% من اجمالي الاجانب في الكليات والجامعة بالولاياتالمتحدة. وجاءت الازمة الاقتصادية التي أدخلت اعتى اقتصادات العالم في أسوأ حالة ركود يتعرض لها منذ ثلاثينيات القرن العشرين لتضر برونق الحلم الامريكي في ذهن العديد من الهنود الذين أصبحوا يفضلون الدراسة الجامعية وفرص العمل في بلدهم. ويرى محللون ان ما يمثل خسارة للولايات المتحدة في هذا الصدد قد يكون مكسبا للهند حيث يحمل في طياته "هجرة عكسية للعقول" تحصد من خلالها الهند في السنوات المقبلة ثمار عقول أذكى أبنائها وأكثرهم موهبة بعدما يضعون طاقاتهم في خدمة الاقتصاد الهندي ثالث أكبر اقتصاد في قارة آسيا. وهو ما ذكره فيفك وادهوا الأكاديمي الهندي الذي يعيش في الولاياتالمتحدة في ورقة بحثية حول هذا الموضوع، مؤكدا ان الهجرة العكسية للعقول بدأت بالفعل وأدت الى انتعاش الاقتصاد الهندي بنحو 9% خلال السنوات الثلاثة السابقة لعام 2009 مما أدى انتشال الملايين من الفقر وخلق جيل من الشباب الهندي الطموح والغني. ويعد التحول رد فعل طبيعي للازمة، حيث تبددت فرص الحصول على وظائف في الغرب بعد الحصول على درجات علمية من جامعات أمريكية، واصبح العيش في الهند أكثر جدوى حيث أصبح هناك المزيد من الوظائف وانخفضت تكلفة العيش كما توفرت مرافق الحياة الحديثة مثل مراكز التسوق والمساكن المشتركة التي تؤمن حياة مريحة. وقدر وادهوا أن نحو 100 ألف هندي من العمالة الماهرة سيتركون الولاياتالمتحدة ويعودون الى بلادهم في غضون السنوات الخمس التالية لعام 2009. وينسحب التحول على الطلاب الذين يدرسون بالفعل في الولاياتالمتحدة، فأكد وادهوا - وهو أستاذ مساعد في جامعة دوك وزميل أبحاث كبير في كلية الحقوق بجامعة هارفارد - انه عندما التحق بدوك قبل 4 سنوات كان كل الطلاب تقريبا يتحدثون عن رغبتهم في البقاء والعمل في الولاياتالمتحدة، اما الان يعتزم أغلبهم العودة الى وطنهم، والقلة الراغبة في البقاء تريد تسديد القروض التي أخذوها لكنهم لا يعتقدون أن بامكانهم الحصول على وظائف مجدية. وبعد أن وصلت البطالة الى أعلى معدلاتها في الولاياتالمتحدة في 26 عاما أصبحت الفرص في الهند أفضل منها خارجها بالنسبة للخريجين لان شركات مثل "وارنر بروس" و"اي.بي.ام" أعلنت أنها ستسند وظائف في الهند ومراكز أخرى في الخارج بعد قرارات اتخذتها بتسريح عاملين في أمريكا الشمالية. ومن الشباب الذين تحولوا للدراسة في وطنهم، قال راهول دوتا -23 عاما- ان خطته للدراسة كانت تتجه الى الحصول على درجة الماجستير من الولاياتالمتحدة وكذلك العمل والعيش بها لكنه أدرك الآن أنه لا توجد وظائف ولا تمويل لذا التحقت بكلية في بلاده. وفي بانجالور مركز التكنولوجيا المتقدمة الواقع جنوب الهندي توصل الهندي كريبا تشيتيار الى القناعة نفسها. وفي تعليق على تغيره لمسار حياته، قال تشيتيار "كنت أتطلع للحصول على درجة الماجستير في الهندسة المالية من جامعة كولومبيا.. لكنني الآن لن أخضع لفحص سجل الخريجين حتى فلا جدوى من ذلك لانه لا توجد مساعدات مالية على الاطلاق". وفحص سجل الخريجين هو اختبار الالتحاق الذي يؤهل الخريجين للدراسة في الولاياتالمتحدة والدول التي تتحدث اللغة الانجليزية. وبحسب جايديب تشودري الذي يترأس برنامج فحص سجل الخريجين في معهد تدريب خاص بالهند، فان نحو 55 ألف طالب هندي خضعوا الى اختبار فحص سجل الخريجين خلال 2008 بترجع 20% عن نسبتهم خلال 2007. ويتجه بعض الشباب للخضوع للاختبار دون السفر، ومنهم جارفيت بافنا وهو من مدينة بوني الواقعة بالقرب من مومباي العاصمة المالية للهند قائلا انه خضع للاختبار لكنه انه لن ينتقل الى الولاياتالمتحدة الا اذا التحق بجامعة مرموقة. وأضاف راجيف جانجو - وهو رئيس قسم التعليم الدولي في مكتب (كارير لانشر) للخدمات التعليمية في الهند- ان الطلاب الذي ينجحون في اختبار فحص سجل الخريجين يتخلون عن خططهم للدراسة في الخارج بسبب نقص التمويل. أما بالنسبة للطلاب الذين يدرسون بالفعل في الولاياتالمتحدة فان الحصول على الزمالة أو أي شكل اخر للتمويل أصبح صعبا خاصة بالنسبة للاجانب مع تراجع المنح بسبب انكماش مخصصات الجامعات بعد الخسائر الحادة في أسواق الاسهم. وهو ما جاء على لسان تشيري هاريكا التي تبلغ 24 عاما وهي من اقليم البنجاب الهندي وتدرس للحصول على درجة الماجستير من جامعة بوسطن الامريكية، قائلة ان مشهد التمويل قاتم بالمقارنة بما كان عليه قبل استفحال الأزمة. وأضافت، ان الجامعة العريقة جمدت التعيين ولا توجد أي وظائف جديدة للاجانب خاصة في ظل فقد الامريكيين لوظائفهم. ويحتاج معظم الطلاب الذي يدرسون في الولاياتالمتحدة الى جمع حوالي 50 ألف دولار للبقاء في الولاياتالمتحدة لمدة عامين. وكان يتسنى الحصول على اغلبها من قروض أصبحت صعبة بسبب أزمة الائتمان خاصة بالنسبة للطلاب الذين ليس لديهم وظيفة لتأمين القرض، وفي المقابل لا تتعدى تكاليف الدراسة في المعاهد الهندية للتكنولوجيا وهي جزء من شبكة لتعليم الهندسة والتكنولوجيا 1200 دولار سنويا. ولم تقتصر الصعوبة على فرص المنح الدراسية والمنح بل امتد الى الحصول على تأشيرة سفر للعمل في الولاياتالمتحدة حيث تتعرض ادارة الرئيس الامريكي باراك أوباما لضغوط لتقليل عدد تراخيص العمل المؤقت التي تمنح للاجانب. وعلى الوجه الآخر للعملة، لم تسلم الهند من سهام الازمة حيث تضررت نتيجة تباطؤ السياحة ونمو قطاع اسناد وظائف تكنولوجيا المعلومات بها، فاصبحت الفائدة الوحيدة التي تعود على الهند من الازمة هي رأس المال البشري لان أفضل العقول الهندية قررت البقاء في بلدها. (رويترز)