تتوالى الأخبار من الولاياتالمتحدة الأميركية، كما لو أنها تتوالى من الاتحاد السوفياتي أيام غورباتشوف. تخلت عاصمة الاقتصاد الحر عن كل الخطوط الحمر لاستخدام المال العام، حيث يسمى المال العام «أموال دافعي الضرائب»، لا أموال «الإيرادات النفطية». لم تجد البلاد التي خرّجت العدد الأكبر من الفائزين بجائزة نوبل للاقتصاد على مدى التاريخ أي بديل عن استخدام المال العام لتنظيف السوق الائتماني من الأصول السامة، على الرغم من اللباقة التي تمتاز بها نبرة وزير الخزانة تيموثي غيثنر وهو يتخيّر العبارات في الحديث عن استخدام «مزيج من المال العام والأموال الخاصة». للخطة الجديدة محوران أساسيان تجدر قراءتهما جيداً في الكويت: 1 - معالجة مشكلة الأصول المتعثرة. 2 - معالجة مشكلة محافظ الأسهم المنخفضة. تلك الخطة التي يستخدم فيها مبدئياً بين 70 و100 مليار دولار من الخزانة العامة، لانتاج قدرة شرائية بنحو 500 مليار دولار وربما تريليون دولار لشراء اصول متعثرة، جاءت خلاصة أشهر من العمل والدراسات التي قام بها جمع من ألمع الأسماء الاقتصادية في العالم، ولا شك أن بصمات رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي بن برنانكي واضحة عليها، خصوصاً وأن الرجل ذا اللحية الكثة متخصص منذ عقود بالاستجابة لظروف الأزمات والاختلالات في أداء السوق. لا يمكن الشك بأن أعضاء اللجنة المالية والاقتصادية في الكويت أكثر دراية بالاقتصاد من برنانكي وغيثر وسواهما، لكن يمكن القول إن الطروحات عادت إلى المربع الأول، وثمة مسلمات لا مفر لأي معالجة من أن تسلّم بهما: 1 - ان الأزمة أكبر بكثير من أن تعالج بالمال الخاص، ولا بد للمال العام أن يتدخل. 2 - ان لا حل للأزمة إلا بحل مشكلة الأصول السامة، وقد لا يكون العلاج الناجع بترك الجهاز المناعي في المصارف يواجه آثارها وحده من دون مضادات حيوية حكومية، لأن السموم تتفشى سريعاً في الجسد الاقتصادي. بالطبع لا تنحصر مواجهة الأزمة هنا، فهناك معالجات كثيرة مطلوبة لتنشيط مختلف الأنشطة الاقتصادية، إلا أن أي معالجة لا يمكن أن تمر من دون حل مشكلة الماكينة الائتمانية التي من الواضح أنها لا تعمل أبداً. المفارقة هنا أن واشنطن لا تمانع في اللجوء إلى طبع العملة لتوفير ما تحتاجه خطة امتصاص السموم هذه، وها هو البنك المركزي (الاحتياط الفيديرالي) يعلن استعداده قبل أيام لضخ 300 مليار دولار للتمويل العام مباشرة من خلال شرائه سندات حكومية. كما أن معظم دول الاتحاد الأوروبي تخلت عن معايير «ماستريخت»، وبعضها وصل في نسبة العجز إلى الناتج المحلي لنحو 8 أو تسعة في المئة. في المقابل، من المعروف أن الفوائض الكويتية متوافرة إلى الحد الذي يجعل كلفة أي معالجة «خردة» لا أكثر، وليس ثمة من ظرف أكثر استثنائية من الظروف الحالية وأكثر استدعاء لاستخدامها في إنقاذ الاقتصاد من شبح الانكماش، وربما الركود. حيز كبير للاسهم والعقار ومن الواضح للعيان أن الأزمة في الكويت تشابه في الكثير من أوجه تشخيصها الأزمة في أميركا، مع اختلاف الوقائع والظروف. بل إن ما يستوقف حقاً أن خطة تيموثي غيتز وبن برناكي تفرد حيزاً كبيراً لآثار انهيار الأسهم، وليس هناك أي شك في أن تأثير انهيار الأسهم الكويتية أكبر من تأثير انهيار الأسهم الأميركية على الشركات هناك، نظراً لتشابك الملكيات واعتماد الكثير من الشركات الكويتية على محافظ مالية تستثمر في الأسهم. ليس في ما سبق اكتشاف جديد، فمنذ الأيام الأولى لاجتماع «فريق المحافظ» كان الجميع يدرك ان أصعب المشكلات يمكن تهاوي أسعار الأصول، وعلى هذا الأساس كان القرار بتأسيس المحفظة المليارية ومحفظة السندات الأذنية لشراء الأصول من الشركات غير الاستثمارية مع خيار إعادة الشراء، ثم جاء «مشروع الاستقرار المالي متضمناً بنوداً تلحظ شراء أصول مسمومة من البنوك بقدر ما وبشروط معينة، إلا أن الحكومة أفرغته من هذا المضمون تحدياً، لأن الوزراء كانوا يخشون من فكرة جوفاء فرضت سطوتها: «لا لاستخدام المال العام». وبعد مرور نحو ستة أشهر على بداية الأزمة لم يتحقق أي تقدم مهم على طريق المعالجة، وها هو لب المشكلة، سوق الائتمان لا يزال مشلولاً رغم كل ما تم ضخه من مليارات حكومية كودائع، ولم تنفع كل المحفزات التي قام بها البنك المركزي لتنشيطه. والسر الشائع هنا أن انكشاف القروض البنكية على سوق الأسهم أكثر مما تظهره الأرقام بكثير، وما تظهره الأرقام ليس صغيراً، إذ إن القروض «الشخصية» وحدها المخصصة لشراء الأوراق المالية تزيد نسبتها على 11 في المئة من إجمالي التسهيلات للمقيمين (بالمفهوم المصرفي)، ناهيك عن قروض الشركات المستثمرة في الأسهم او التي تقابلها أسهم مرهونة، والتي يصعب تقديرها. أما الوجه الأسوأ للأزمة الذي لم يتحول واقعاً بعد، فيكمن في الأصول العقارية التي قد تتجه نحو انهيار يشابه انهيار سوق الأسهم إذا لم تتحرك عجلة المعالجات سريعاً.