قالت دراسة أجرتها شركة «بوز أند كومباني» إنّ انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية تفرض على دول مجلس التعاون الخليجي إعادة النظر في سياسات العمل، وذلك لخلق سوق عمل قادرة على تلبية متطلبات النمو في المنطقة. وأشارت الدراسة إلى أن دول الخليج مطالبة الآن بتوفير فرص عمل دائمة للمواطنين، وتوفير الحماية ضد تقلبات الأزمة الاقتصادية، وتقليص الاعتماد على الحكومة في خلق الوظائف. وحذرت من أنه لم يعد ممكناً تجاهل المواءمة بين احتياجات السوق ومهارات المواطنين، نظراً إلى اعتماد دول مجلس التعاون الكبير على العمالة الأجنبية، وتاليا ارتفاع نسبة البطالة في صفوف المواطنين. ولفتت إلى أن السياسات الجديدة يجب أن توازن بين العرض والطلب لتعكس الانفتاح الاقتصادي والانسحاب التدريجي للحكومات من الأسواق، واستحداث فرص عمل مستدامة للمواطنين وحماية حقوق الوافدين. أسس متينة وقال الشريك في «بوز أند كومباني»، ربيع أبو شقرا، إن المواءمة بين سياسات العمالة والسياسات الاقتصادية في المنطقة كفيلة بإرساء أسس متينة للاستقرار الاقتصادي والنمو على المدى الطويل». وقالت الدراسة إنه «رغم الأزمة المالية العالمية، ما زالت توقعات النمو طويل المدى لمنطقة الخليج ثابتة، ويجمع أغلب الخبراء على أن اقتصاديات المنطقة أقل عرضة من معظم اقتصاديات العالم لاختبار ركود اقتصادي حاد». وأضافت أن «الاقتصادات الخليجية ستستمر في مواجهة التحديات نفسها التي كانت تتعرض لها قبل الأزمة، والمتمثلة في تجاوز مستويات البطالة نسبة 10٪ في صفوف المواطنين، وتزايد الحاجة إلى العمالة الأجنبية». ويعمل العديد من مواطني دول مجلس التعاون في القطاع الحكومي الذي يتّسم بأجور جيّدة وفائض في الموظّفين، ويتفادى العديد منهم العمل في القطاعات الأدنى مستوى مثل البناء والحرف، حيث الطلب مرتفع. البطالة ولفتت إلى أن «سوق العمل لا تتمتّع بالقدرات المطلوبة للوظائف العالية والمهارات التي يتزايد الطلب عليها، كما أنّ معدل البطالة لايزال عند مستويات مرتفعة نسبياً، حيث بلغت نسبة المواطنين العاطلين عن العمل في الإمارات 12٪، من بينهم نسبة 33٪ من الشباب، بينما بلغت نسبة البطالة في السعودية 11٪ بينهم نسبة 28٪ من الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عاماً. وأرجعت الدراسة جذور الأزمة إلى عدم تماشي نظام التعليم في المنطقة مع وتيرة احتياجات اقتصاديات دول مجلس التعاون، حيث معدلات الأمية مرتفعة، ونسب الالتحاق بمؤسسات التعليم متدنية. وقال الشريك في «بوز أند كومباني»، ريتشارد شدياق «المواطنون لا يحصلون على التشجيع اللازم من أجل تحصيل شهادات جامعية في مجالات تلبي احتياجات سوق العمل، وبالتالي تفوتهم فرص العمل الملائمة». وقالت الدراسة إن «حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تحاول الآن خفض عدد الموظّفين في القطاع العام تماشياً مع سياسات الاقتصاد الحر وآلياته، ما جعلها تتطلع بشكل متزايد نحو القطاع الخاص لتوفير الحلول». وأشارت إلى أن بعض الحكومات الخليجية لجأت إلى فرض حصص على القطاع الخاص كجزء من توجّهها نحو التأميم، حيث حدّدت السعودية حصة المواطنين في القطاع الخاص ب75٪ في عام ،2005 فيما فرضت سلطنة عمان توظيف المواطنين في 24 قطاعاً وظيفياً، وقد احتّج العديد من أصحاب العمل على هذه التدابير، واشتكوا من النقص في عدد العمال المحليين الذين يتمتعون بالمهارات الضرورية ويحظون بالتدريب اللازم. القطاع الحكومي وتقول الدراسة إنه «بعد الطفرة النفطية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، استعملت دول الخليج إيرادات النفط لدعم الخدمات العامة وتوظيف المواطنين في القطاع العام، بحيث كان المواطنون يتقاضون ضعف أجور القطاع الخاص، بالإضافة إلى مزايا ممتازة وساعات عمل أقل، ولتلبية الطلب المتزايد على العمالة في القطاع الخاص، رحبّت حكومات دول مجلس التعاون بالعمّال الأجانب لشغل الوظائف التي يعزف عنها المواطنون أو لم يستطيعوا تولّيها، ما أدى إلى تدفق العمال من دول متعددة مثل الهند، والفلبين، وإندونيسيا». ويرى المدير أوّل في «بوز أند كومباني» سامر بحصلي، أن «هذه الأوضاع أدت إلى خلق هوة بين احتياجات سوق العمل ومهارات المواطنين، وتعرف عادة «بالبطالة الهيكلية»، وهي مشكلة منتشرة على مستوى المنطقة». قياس أداء السوق وترى الدراسة أن دول الخليج بحاجة ماسة إلى قياس أداء أسواق العمل باستخدام أدوات متعارف عليها مثل الأجور، وتوزيع الدخل، وتكاليف تعريفة الساعة، ومعدل البطالة نسبة إلى عدد السكان، وإنتاجية العمالة، وساعات العمل، وفترة البطالة، ومخصصات العاطلين عن العمل، ومستويات التعليم لدى القوى العاملة، ومقارنتها جميعاً بأهداف سوق العمل الرئيسة لضمان التوظيف، وأمن الدخل، والمرونة في الأجور والعمل. وأضافت «من المستحيل صياغة سياسات فاعلة للعمل في ظل غياب البيانات الإحصائية المناسبة ذات الصدقية، التي تفتقر إليها حالياً العديد من دول الخليج، ما يشكّل عائقاً رئيساً أمام الحكومات في تقييم احتياجات أسواقها وتصميم البرامج على هذا الأساس». ركائز سوق العمل أشارت الدراسة التي أجرتها شركة «بوز أند كومباني» إلى إنه «ينبغي أن ترتكز سياسات سوق العمل لثلاث ركائز، هي: السياسات التفعيلية لتوفير التدريب وإعادة التأهيل في مرحلة البطالة، وسياسات الدعم المالي للعاطلين عن العمل، والسياسات الحمائية لضمان حقوق الموظفين». وتهدف السياسات التفعيلية إلى استحداث الوظائف وتحسين جودة سوق العمل من خلال توفير فرص للعاطلين عن العمل، وتأمين مجموعة من القوى العاملة الماهرة التي تتمتّع بقدرة أكبر على مواجهة التقلبات الاقتصادية، ما يسمح بزيادة الإنتاجية وتحقيق مزيد من المكاسب. فيما تهدف سياسات الدعم المالي التي تتخّذ شكل مساعدات مالية للعاطلين عن العمل إلى توفير شبكة أمان اجتماعي للعمال خلال فترات البطالة ومراحل الركود الاقتصادي المحتملة. أما السياسات الحمائية التي تحدد معايير وشروط العمل فتتخذ عادة شكل تشريعات وأنظمة. وترعى هذه السياسات إجراءات الصحة والسلامة، وتحديد الأجر، وشروط العقد، ومتطلبات التدريب، ومسائل أخرى أساسية لضمان الإنصاف والسلامة في مكان العمل.