جريمة عدها البعض مجرد خطأ التغيير.. أمل غير مضمون أعدت الملف: إيمان التوني تعددت الأسماء والسجن واحد، "أبو غريب" أو "بغداد المركزي" أيا كان الاسم فهو مجرد مرادف لسجن اشتهر بسوء سمعته وانتهاكه لحقوق الإنسان، خاصة بعد أن نشرت صور تعذيب السجناء العراقيين على أيدي سجانيهم الأمريكيين داخل هذا السجن - في أبريل/ نيسان عام 2004 - بعد عام من الغزو الأمريكي للعراق، فيما عرف إعلاميا ب"فضيحة أبو غريب"، ومن ثم تقرر إغلاق السجن في عام 2006. سجن بغداد المركزي - "أبو غريب" سابقا – هو من أكبر سجون العراق، ويقع في بلدة "أبو غريب" التي تبعد نحو 30 كيلو مترا غرب بغداد. ويعود إنشاؤه إلى عهد الرئيس الراحل المخلوع "صدام حسين"، حيث لم يكن أفضل صيتا، فقد شهد السجن نفسه عمليات إعدام طالت الكثيرين من معارضي النظام. وفي عام 2009، أي بعد نحو 3 أعوام من إغلاق سجن "أبو غريب"، وتزامنا مع إعلان الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" عن إغلاق معتقل "جوانتانامو" خلال عام، ما شجع على توجيه دعوات إلى الإدارة الأمريكية لفتح تحقيق نزيه في جرائم التعذيب التي شهدها سجن "أبو غريب"، تعلن حكومة "نوري المالكي" العراقية عن إعادة فتح السجن نفسه في فبراير/شباط 2009 لكن بعد تغيير اسمه ليصبح سجن "بغداد المركزي"، مؤكدة أن السجن تم تجديده وفقا للمعايير الدولية. وقال نائب وزير العدل العراقي "بوشو إبراهيم" إن السجن سيأوي نحو 14000 سجين، مضيفا أن إعادة فتح هذا السجن سيحل مشكلة الزيادة في عدد السجناء في "الناصرية" و"البصرة" و"العمارة" وبعض سجون بغداد، حيث سيتم نقل السجناء من أنحاء العراق كافة إلى سجن "بغداد المركزي". دليل إرشادي للتعذيب ما أيسر أن تحل لافتة محل أخرى، ليمحى اسم ويتبدل بآخر، لكن من الصعوبة جدا أن تمحى الذاكرة الإنسانية - عربية أو دولية – وتنسى ما شاهدته من ممارسات وحشية ارتكبها جنود دولة تضع ثمثال الحرية رمزا لها، وتدعي احترامها الحق والعدالة، وأنها لا تقبل الاعتداء على حقوق الإنسان، بل وتأخذ هذا المصطلح ذريعة للتدخل في شئون الدول الأخرى بحجة إرساء هذا المبدأ – حقوق الإنسان – والتأكد من تحقيقه. إحدى صور التعذيب التي نشرت في أبريل 2004 تصور استخدام الكلاب لإرهاب السجناء والأهم من تغيير الاسم تغيير النهج، فهل سجن "بغداد المركزي" لن يشهد انتهاكات مماثلة لما وصف من قبل ب"عار" أبو غريب؟ وما الضمان لعدم تكرار ارتكاب هذه الممارسات، خاصة مع استمرار الوجود الأمريكي داخل العراق؟ تساؤلات لم تجد إجابات قاطعة شافية طالما لم نشهد معاقبة المتورطين بالتعذيب البدني والإهانات الجنسية من ضباط وجنود متلبسين بالصور الفجة والمهينة للإدارة الأمريكية السابقة، وطالما لم يتم ملاحقة الرئيس الأمريكي السابق "جورج دبليو بوش" ووزير دفاعه "دونالد رامسفيلد" قضائيا لمسئوليتهما عن جرائم تعذيب المعتقلين ليس فقط في سجن "أبو غريب" وإنما في معتقل جوانتانامو أيضا وفي غيرها من السجون السرية التي ابتدعتها إدارة "بوش"، وإن كان أفدحها ما وثقته صور فضيحة "أبو غريب" من استخدام شتى أصناف التعذيب والإرهاب وبث الرعب بإطلاق الكلاب على السجناء والإذلال بتجريدهم من ملابسهم وإخضاعهم لأوضاع شاذة وغير أخلاقية، والتي تؤكد ما قاله محامي اتحاد الحقوق المدنية الأمريكي "أمريت سينج" – في تصريح له عقب قرار القضاء الأمريكي برفع الحظر عن نشر صور التعذيب في سبتمبر 2008 - إن "الإساءة للسجناء الذين تحتجزهم الولاياتالمتحدة في الخارج لم تكن استثناءات ولم تكن محصورة في سجن أبو غريب العراقي". ووفقا لما ورد في دليل إرشادي أمريكي يحمل عنوان "دليل استغلال الموارد البشرية التدريبي-1983" الصادر بمقتضى قانون حرية التعرف على المعلومات في عام 1997 – حسب ما ذكره تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بموقعها على الإنترنت - فإن الدليل يصف بعضا من أساليب التعذيب، وتشمل التهديد باستخدام القوة ضد الأقارب، وتعصيب العينين، وتعرية السجناء، بالإضافة إلى الأساليب والممارسات الوحشية التي استخدمت في سجن "أبو غريب" والمتمثلة في الانتهاكات الجنسية التي – حسب الدليل - يعتقد الجنود الأمريكيون أنها فعالة جدا في العالم العربي. وحتى مع التأكيد على أن السجن الذي أصبح باسم "بغداد المركزي" سيكون خاضعا للسيطرة العراقية لا الأمريكية، لم تكن تلك بالإجابة الشافية أيضا، وبرهان ذلك يمكن استيضاحه من تصريح سابق للميجور جنرال "جيفري ميلر" – الذي كلف بإدارة سجن أبو غريب بالعراق في 2004 بعد أن كان مديرا لمعتقل جوانتانامو في كوبا – قال فيه إن وسائل حرمان السجناء من حواسهم وغيرها من أساليب التعذيب لن تستخدم إلا بعد "تصديق" جنرال من القوات العراقية عليها، وهو تصريح يزيد الشك في أن تغيير الاسم قد يؤدي إلى تغيير النهج. جريمة عدها البعض مجرد خطأ جاء الإعلان عن إعادة فتح سجن "أبو غريب" الذي أصبح سجن "بغداد المركزي" بعد أيام من تصريحات لوزير الخارجية العراقي "هوشيار زيباري" يعدد فيها أخطاء الرئيس الأمريكي السابق، معتبرا أن أكبرها هو كان تغيير المهمة الأمريكية في العراق من التحرير إلى الاحتلال، مشيرا - في سياق سرده لأخطاء "بوش" - إلى فضيحة الانتهاكات في سجن "أبو غريب" باعتبارها واحدة من بين هذه الأخطاء. في المقابل، وبالرغم من اقراره ببعض أخطائه خلال فترتي ولايته كرئيس للولايات المتحدةالأمريكية، إلا أن "بوش" اكتفى بالإعراب عن صدمته لما حدث في سجن "أبو غريب" من انتهاكات وصفها ب"التجاوزات الضخمة". وقال إنه يغادر البيت الأبيض "فخورا" بالحصيلة التي حققها ومقتنعا بأنه تصرف بما أملاه عليه ضميره. أليس مفارقة أن تكون كل هذه الانتهاكات والاعتداءات مجرد خطأ، بينما تنصب المحاكمة للصحفي العراقي "منتظر الزيدي" لرشقه "بوش" بالحذاء. التغيير.. أمل غير مضمون كما يأتي إعادة فتح سجن "أبو غريب" سابقا – سجن "بغداد المركزي" حاليا – وسط ضغوط يتعرض لها العراق لزيادة سعة ونوعية السجون وتحسين الشفافية وكفاءة نظام العدالة الجنائية. سجن "أبو غريب" من الداخل وبموجب اتفاق بدأ سريانه بداية 2009، فقدت القوات الأمريكية في العراق السلطة لاحتجاز نحو 15 ألف معتقل لديهم دون توجيه اتهام، ومن المفترض إعادتهم إلى العدالة العراقية أو إطلاق سراحهم. بينما حثت منظمات حقوقية دولية واشنطن على عدم تسليم السجناء دون أدلة على أنهم سيتلقون معاملة جيدة. وقالت منظمة مراقبة حقوق الإنسان الدولية (هيومان رايتس ووتش) ومنظمة العفو الدولية إن السجناء المحتجزين لدى العراقيين يتعرضون غالبا للضرب وإساءة المعاملة ويحرمون من الإجراءات المقررة. الصورة التي يسعى المسئولون العراقيون إلى تحسينها، وقد جاء الإعلان عن إعادة فتح سجن "أبو غريب" بعد تجديده وتأهيله وتغيير اسمه في إطار تحقيق ما يسعون إليه. أما الآملون في أن يتجاوز التغيير الاسم إلى الفعل – وهم قلة – ربما يعولون على شعار المرحلة الحالية في الولاياتالمتحدة وهو "التغيير" أيضا، وفقا لما وعد به الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" ورفعه خلال حملته الانتخابية، وقد عزز هذا الأمل تصرح "أوباما" - خلال مقابلة تلفزيونية مع شبكة (ABC) الأمريكية نشرت تفاصيلها صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر في 11 يناير/ كانون الثاني 2009 - بأنه لم يستبعد ملاحقة مسؤولين في إدارة "بوش" إذا كانوا ارتكبوا تجاوزات في "الحرب على الإرهاب" مشددا أنه لا أحد فوق القانون. وقال "لا زلنا بصدد تقييم الطريقة التي سنعالج بموجبها كل ما يتعلق بالاستجوابات والاعتقالات وغير ذلك". "أبو غريب" أو "بغداد المركزي" ليس هذا هو المهم، بل ما يجري بداخله هو الأهم، فهل سيتغير النهج كما تغير الاسم؟ أم تعددت الأسماء والسجن واحد؟!