الاهرام 24/1/2009 هذا هو الفارق بين أمريكا ودول أخري. هناك شعوب تسكنها حالات اليأس والاحباط وعدم الثقة بالنفس ولاتجرؤ علي أن تحلم بحياة أفضل, وهناك أمريكا التي تستطيع في لحظة واحدة أن تنفض عن نفسها غبار أخطاء الماضي وتخلق الأمل في غد أفضل. هناك شعوب فقد أبناؤها شهية الاهتمام بالشأن العام بعد أن أصبح حكرا علي فئات محدودة وأفراد قلائل, وهناك أمريكا التي تدفق مليونان من مواطنيها علي واشنطن يوم الثلاثاء الماضي برغم الطقس المتجمد(8 تحت الصفر) ليشهدوا حفل تنصيب أوباما رئيسا لهم. وربما ذهب بعض هؤلاء إلي واشنطن مدفوعين بغريزة حب الاستطلاع أو التباهي, فيما بعد, أمام الأحفاد بحضور هذا الحدث التاريخي, لكن غالبية المشاركين ذهبوا لاعتقادهم, عن حق, أن لهم سهما في رئاسة أوباما. فهم الذين أوصلوه إلي هذا المكان. وبالتأكيد, فإن عشرات الملايين من الأمريكيين لديهم نفس الشعور. هناك في أمريكا, ظل المرشحون للرئاسة يعرضون أنفسهم وأفكارهم لأكثر من عام علي الناخبين الذين اختاروا أوباما في النهاية. لم يأت لهم من المجهول ولم يجبرهم أحد علي انتخابه ولم يزور الأمن الانتخابات لصالحه. لكل ذلك, فإن لحظة التحول من الاحباط واليأس إلي التفاؤل والأمل لحظة حقيقية لأنها مصنوعة ديمقراطيا وشارك فيها جميع الأمريكيين. هي ليست مجرد خطاب أو أغنية أو حملة اعلامية تدعو الناس لأن يتفاءلوا ويحلموا بغد أفضل بينما الواقع حولهم عكس ذلك تماما. ومن عجب أنه حتي الأوروبيين أصحاب التجارب الديمقراطية العريقة وشعوب أخري عديدة, تمعنوا في دراسة معني اللحظة الأمريكية الراهنة وكيف يمكن الاستفادة منها ديمقراطيا واجتماعيا. بينما قفزنا نحن, في عالمنا العربي السعيد, علي تلك اللحظة لنتحدث عن توجهات أوباما بشأن الشرق الأوسط وعن أنه لا فرق بينه وبين سلفه فيما يتعلق بإسرائيل. إن أحدا لا يطلب ألا تدرس توجهات وسياسات الإدارة الجديدة لكن تجاهل هذه الثورة الديمقراطية الهادئة التي تتشكل أمام أعيننا يؤكد أن الديمقراطية والحرية ليست من أولويات العرب. ومن أسف, ان البعض منا تحدث عن أوباما المصري وأوباما العربي دون ان يدرك ان واقعنا المشبع بالاحباط واليأس والاستبداد لايمكن ان يسمح بظهور امثال اوباما أو حتي اشباه اوباما!